إسرائيل من الداخلالجيش والأمن

أزمة المياه في إسرائيل : الاحتلال “ضرورة” لتوفيرها والصهيونية “لن تنتصر إلا بها”

أزمة المياه في إسرائيل | إسرائيل الآن | كتب- حسين موسى:

إن الأمن القومي لأي دولة هو قضية وجود، لكن الأمر يتجاوز ذلك بالنسبة للكيان الإسرائيلي فهو مسألة وجود شامل يمس صميم الوجود المادي لكل فرد، فالأمن القومي كمفهوم عالمي هو قضية نسبية تتعلق بالمحافظة علي السيادة القومية، أما بالنسبة لهذا الكيان فهو ليس عنصرا نسبيا بل مطلق، لأن وجوده المادي متوقف عليه.

ومن الصعوبة وصف المجتمع الإسرائيلي بالقومية، ذلك لأن الإسرائيليين لا يشكلون قومية بالمعني الذي تواتر استخدامه في الفكر والنظرية السياسية وفي العمل السياسي، فالقومية مصطلح يطلق علي مجموعة من الشعوب التي اكتملت لديها عناصر الاندماج، ووحدة الهوية، ووضوح الهدف، فضلا عن الاستقرار مدة طويلة في إقليم يشعرون نحوه بالولاء والانتماء، وهذه العناصر في جملتها تغيب عن المجتمع الإسرائيلي.

وتقوم الاستراتيجية الإسرائيلية على عدد من العناصر ترتبط ببعضها ارتباطا عضويا لتشكل تحديا خطيرًا علي الأمن القومي العربي، ومن أهم هذه العناصر عنصر الأمن، لأن المفهوم الإسرائيلي للأمن هو مفهوم خاص بالكيان الإسرائيلي ذو الطبيعة الاستيطانية، والقائم على عقيدة التوسع بجانبيها الأفقي والرأسي، فالتوسع الأفقي يحقق للكيان الإسرائيلي أكثر من هدف، فهو يوفر أولا عمقا جغرافيا للدفاع عنه أثناء معاركه مع العرب، ويوفر ثانيا المياه الضرورية لهذا الكيان لحل أزمة المياه في إسرائيل ، وثالثا يمده بمصادر جديدة للثروة والمواد الغذائية خاصة في الضفة الغربية ولبنان. أما التوسع الرأسي فهو التوسع العسكري بما يحقق التفوق الكمي والنوعي للكيان الإسرائيلي علي الدول العربية مجتمعة.

أزمة المياه في إسرائيل

 

وبالتالي نجد أن قضايا المياه تدخل ضمن مرحلة محورية في الأمن القومي للكيان الإسرائيلي، حيث تحولت عملية توفير الموارد المائية إلي مسألة قومية ترتبط بأهداف وجود وغايات هذا الكيان، وتحولت مشروعاته إلي مشروعات ذات صفة قومية، وأصبح الأمن القومي للكيان الإسرائيلي يرتبط بالسيطرة علي المياه في المنطقة واستثمارها.

بعد حرب عام 1967م  ظهر في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي مفهوم الحدود الآمنة الذي يرتبط في أحد أبعاده بمفهوم الحدود الطبيعية، التي ترتكز علي عمق إقليمي وعقبات طبيعية مثل المياه والجبال.. إلخ،  مما دلل علي الارتباط بين قضايا المياه وقضايا الأمن القومي للكيان الإسرائيلي في أبعادها الإستراتيجية والاقتصادية.

والحقيقة أن الفجوة المائية في الأمن القومي للكيان الإسرائيلي فجوة مهمة، لأنها تتعلق بالعمود الفقري لنظرية الأمن الإسرائيلي وهو “الهجرة”، فالهجرة تحتاج إلي الأرض، والأرض تحتاج إلى المياه، والمياه تحول رجال العمال إلي فلاحين مرتبطين بالأرض وتعمق فيهم روح الانتماء.

المياه واكتمال المشروع الصيوني في فلسطين

 

وبالتالي فالطموحات الإسرائيلية  الهادفة لزيادة الهجرة اليهودية إلي ارض فلسطين لا يمكن أن تتم دون تخطيط مسبق، يأخذ في الحسبان ضرورة توفير المصادر المائية اللازمة لتوفير الغذاء لمئات الألوف من المهاجرين القادمين، فالحصول علي مصادر مائية إضافية ليس ترفا بالمفهوم الإسرائيلي بل هو ضرورة لازمة لاكتمال المشروع الصهيوني بالبقاء والسيطرة علي فلسطين.

وعندما يبحث الكيان الإسرائيلي عن حل لمشاكله المائية قطعًا سوف تتجه أنظاره خارج حدوده، مما يجعل البحث عن المياه سببا لممارسات سياسية وعسكرية لهذا الكيان ربما تختلف من شكل لأخر، ولكنها تظل محكومة بذات الدوافع الأولية التي أدت إلي إقامته “دوافع الاستيطان العنصري والتوسع الإقليمي”.

من ناحية أخري، فالأطماع الصهيونية التي قد تبدو ذات طابع اقتصادي والمتعلقة بالحصول علي  ما تسميه “حقوقها” من مياه أنهار الأردن والليطاني والنيل، لا تستمد شرعيتها و مبرراتها لدي قادة الكيان الإسرائيلي من فائدتها الاقتصادية فقط، وإنما من الأغراض الاستيطانية التي تتطلب إعمار النقب والمناطق الصحراوية في فلسطين المحتلة.

فطبقا لمعدلات النمو الطبيعية للسكان داخل الكيان الإسرائيلي لا توجد مشكلة مياه ملحة، ولكن حين نضع في الحسبان الهدف الصهيوني باستيعاب وتوطين ملايين المهاجرين، فإن مشكلة المياه بأبعادها الاستيطانية الاستعمارية أساسًا، الاقتصادية هامشيًا، تصبح أكثر وضوحا وعلاقة بالأمن القومي للكيان الإسرائيلي.

أزمة المياه والاستراتيجية الإسرائيلية

 

فالخط الأحمر الذي وضعه الكيان الإسرائيلي لمسألة المياه، لا يقل خطورة عما يمكن أن يؤدي إليه تحريك قوات أو أسلحة إلي مناطق منزوعة السلاح، حيث عد هذا الكيان المياه موردا استراتيجيا من الدرجة الأولي، وعد أي تهديد لمصادر المياه مؤديا إلي استنفار الجيش.

مما سبق نجد أن هناك علاقة طردية بين تحقيق الأمن القومي للكيان الإسرائيلي من جهة، وبين سيطرته ثم تحكمه في مصادر المياه في المنطقة من جهة أخري، لان ذلك يحقق له أهدافه الإستراتيجية والقومية التي من أهمها:

  • 1- دعم هذا الكيان واقتصادياته وتوجهاته الاستعمارية والاستيطانية.
  • 2- زيادة معدلات الهجرة الصهيونية إلى فلسطين، وبالتالي خلق دعم بشري مستمر للقوة العسكرية الصهيونية.
  • 3- خلق ظروف جغرافية وبشرية في المنطقة تهدف إلي تثبيت الوجود الصهيوني في فلسطين، صناعيا، وعسكريا، وامنيا، مما يسهل له مواصلة احتلاله للأراضي العربية.
  • 4- إن هذا التوجه العدواني بالسيطرة علي مصادر المياه، يوضح نية هذا الكيان للتمسك بالأراضي التي يحتلها، وعدم سعيه لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية .
  • 5- ترسيخ الثقة بالكيان الصهيوني في أذهان الصهاينة، وإظهار قدرته علي تحقيق أهدافه وأفكاره ومشاريعه.
  • 6- إضعاف الدول العربية المجاورة اقتصاديا وسياسيا و اجتماعيا.
أزمة المياه في إسرائيل
أزمة المياه في إسرائيل

وسائل إسرائيل للسيطرة على المياه

 

واتبع الكيان الإسرائيلي من أجل الوصول إلي هذه الأهداف بشكل عام، وحل أزمة المياه في إسرائيل  وتحقيق سيطرته على مصادر المياه بشكل خاص، كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة مثل:

  1. – استمرار إقناع الرأي العام العالمي بأنه يواجه أزمة مياه مستمرة.
  2. – استغلال نفوذه لدي الدول الغربية والمنظمات الصهيونية وغير الصهيونية الموالية له لتحقيق هذا الحلم.
  3. – استمرار تنمية قدراته العسكرية من أجل ردع الدول الأخرى لتحقيق أهدافه.
  4. – دعم فرقة الصف العربي وخلق جو من التفكك، ودعم حركات التمرد والانفصال في المنطقة.
  5. – التوسع في إنشاء المستوطنات من أجل مزيد من الحقوق المائية في المنطقة.
  6. – استغلال نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة من اجل عقد اتفاقات مشتركة مع دول المنطقة، لتحديد وتوجيه سياسة استخدام المياه.
  7. – يعمل الكيان الإسرائيلي بدعم أمريكي علي تنفيذ شبكة مياه تربط الدول المحيطة به (سوريا، لبنان، الأردن)، وذلك لتطوير مصادر المياه في المنطقة.

السياسة المائية الإسرائيلية في فلسطين

 

من جانب أخر فقد انتهج الكيان الإسرائيلي للحصول علي المياه داخل الأراضي الفلسطينية وحل أزمة المياه في إسرائيل سياسة مائية تمثلت في الأساليب التالية:

  • (أ) السيطرة علي مصادر المياه الجارية كنهر الليطاني ونهر الأردن.
  • (ب) الاستفادة من المياه الجوفية داخل أراضي فلسطين المحتلة.
  • (جـ) سحب المياه من البحيرات داخل فلسطين كبحيرة الحولة وبحيرة طبرية.
  • (د) تخطيط وتنفيذ وإقامة مشاريع لنقل المياه من مصادرها إلي الأماكن التي لا توجد بها مياه داخل فلسطين المحتلة.
  • (هـ) إقامة مشاريع لجمع مياه الإمطار وتخزينها كمشروع (شكما) ومشروع (وادي نشمه)، والقيام بجمع مياه الوديان في منطقة معينة ثم ضخها إلي مناطق أخري، لتتغلغل المياه داخل التربة ليعاد سحبها من جديد بواسطة الآبار الارتوازية.
  • (و) إقامة مشاريع لتكرير مياه المجاري وإعادة استعمالها.
  • (ز) إقامة مشاريع لتحليه مياه البحر في (إيلات)، ومشاريع لتحليه المياه الجوفية.
  • (ح) زرع الغيوم وإنزال الأمطار منها بإسقاط مادة مبردة عليها من الطائرات، وتحويل اتجاه الغيوم نحو بحيرة طبرية لزيادة كمية الأمطار فوق البحيرة.
  • (ط) استهلاك المياه المالحة في الأغراض الزراعية وتربية الأسماك والصناعة.
  • (ى) إقامة أجهزة وهيئات حكومية للإشراف علي المياه، وتوزيعها، والحفاظ علي مصادرها، ورسم السياسة المائية العامة للدولة.
  • (ك) التفكير والتخطيط والتنفيذ الجاد، وفرض الأمر الواقع.

في الحقيقة، ترتبط قضية المياه ارتباطًا قويًا وواضحًا بمفهوم الأمن القومي للكيان الإسرائيلي، ويتضح ذلك جليًا في الفكر والتنظير ثم في التطبيق الإسرائيلي لإستراتيجيته المائية، والذي كان له انعكاساته في استغلال هذا الكيان لكل قطرة ماء مالحة لصالحه ولصالح مستوطنيه. وحل أزمة المياه في إسرائيل عن طريق السيطرة على الموارد الفلسطينية والعربية.

الوسوم

حسين موسى

باحث ومستشار سياسي لعدد من مراكز الأبحاث، مثل المركز الديمقراطي العربي في ألمانيا، وعضو لجنة الأمن القومي بمركز شرفات لبحوث العولمة في الأردن، وكاتب بالعديد من الصحف والمواقع العربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق