الصهيونية

ما بعد الصهيونية والمؤرخون الجدد في إسرائيل: هل حققت الصهيونية أهدافها؟

ما بعد الصهيونية | كتب- أحمد بلال:

منذ المؤتمر الصهيوني الأول حددت الحركة الصهيونية لنفسها هدفين رئيسيين، الأول هو إقامة وطن قومي لليهود، والثاني تهجير اليهود إليه، ولكن وبعد مرور 71 عامًا بعد قيام إسرائيل لم تنجح الحركة الصهيونية في إقناع يهود العالم بالهجرة إلى فلسطين، فمن بين حوالي 14 مليون يهودي يعيشون في العالم، يوجد حوالي 5 مليون يهودي فقط في إسرائيل، أي أقل من ثلث يهود العالم تقريبًا، كما أن معظم اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين هاجروا بسبب الضغوط الصهيونية التي أجبرت الكثير من يهود العالم على الهجرة إلى إسرائيل.

ولو كانت الهجرة إلى إسرائيل نابعة من رغبة دينية بحتة، لما ظهرت الهجرة العكسية، ولهاجر كل يهود العالم، ولتغير أسلوب الحياة التي تعيشها هذا الكيان، من أسلوب مادي إلى أسلوب روحي يتحكم فيه الشعور الديني، إلا أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن 80% من الإسرائيليين علمانيين، وأن 20% متدينين، ومن بينهم تيارات دينية ليست صهيونية.

وبعد إنشاء دولة إسرائيل رأى البعض وبينهم ديفيد بن جوريون ضرورة إلغاء المنظمة الصهيونية العالمية، باعتبار أنه لم يعد مبرر لوجودها بعد قيام إسرائيل، وأن الدولة قادرة على الوصول ليهود العالم وتنظيم هجرتهم إليها.

ما بعد الصهيونية

 

لعبت حرب أكتوبر 73 دورًا كبيرًا في ظهور فكر ما يسمى بـ ما بعد الصهيونية ، حيث بدأ هناك اتجاه للمطالبة بالمكاشفة، واستغل اليمين الإسرائيلي هذا الأمر للوصول للحكم للمرة الأولى منذ قيام إسرائيل في عام 1977.

كما اهتمت الحكومات الإسرائيلية التي تولت الحكم منذ هذا التاريخ، سواء كانت يمينية أو يسارية في تبني مواقف اجتماعية واقتصادية وليست أيديولوجية صهيونية.

وبدأت إسرائيل بعد حرب أكتوبر في دخول عصر ما بعد الأيديولوجية، فظهر اتجاهين، الأول اتجاه الصهيونية الجديدة ، الذي رأى ضرورة عزل إسرائيل بمزيد من الحدود، وتمثله حركة دينية سياسية تُدعى جوش إيمونيم. والاتجاه الثاني ظهر في الثمانينيات، وهو اتجاه انفتاحي على العرب، يريد التطبيع، وظهر أثناء الحرب على لبنان، وتمثله حركة «شام جيفوليم».

كما أدى تركيز الحركة الصهيونية على العمل على يهود «الشتات» إلى انحسار الأيديولوجية الصهيونية داخل إسرائيل، وخاصة بين جيل الصابرا، فيشير أحد استطلاعات الرأي في إسرائيل إلى أن 10% فقط قالوا إنهم صهاينة بحق، فيما اعتبر 38% أنفسهم مجرد صهاينة، وقال 35% إنهم ليسوا صهاينة بما فيه الكفاية، فيما قال 14% إنهم ليسوا صهاينة. ويشير الاستطلاع أن 40% من جيل الصابرا غير مؤمنين بالصهيونية، فيما يؤمن بها 92% من المهاجرين القدامى.

 

ما بعد الصهيونية والمؤرخون الجدد

 

بعد المكاشفة التي طالبت بها هيئات مختلفة في إسرائيل كنتيجة لحرب أكتوبر 73، ظهرت مجموعة من الأكاديميين علماء الاجتماع والتاريخ في إسرائيل، في الثمانينيات، وقررت إعادة كتابة تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي ، والقضايا التي لم يكن مسموحًا بمناقشتها مثل حرب 48، بشكل نقدي غير محدود بالفكر الصهيوني، كما أنهم لم يستخدموا النموذج العقائدي في النقد والدراسة كي لا يقعوا فريسة لفرضيات مسبقة.

وحركة ما بعد الصهيونية هي حركة نخبوية في الأساس، ومحدودة الأثر في المجتمع الإسرائيلي، بسبب الحصار الذي تفرضه حولها القوى الصهيونية، التي تسيطر على مؤسسات المجتمع الإسرائيلي اقتصاديًا وثقافيًا وإعلاميًا.

وأول من استخدم مصطلح ما بعد الصهيونية ، هو عالم الاجتماع السياسي الإسرائيلي، يوري رام، الذي نشر كتاب «المجتمع الإسرائيلي.. منظورات انتقادية»، والذي دعا فيه إلى تأسيس «علم اجتماع ما بعد صهيوني»، والأكاديمي الإسرائيلي، بيني موريس، الذي كتب كتابين مهمين، هما: «مورد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين»، و«إسرائيل ومعارك الحدود».

ويرجع البعض ظهور هذا التيار، بعد اطلاع الباحثين الإسرائيليين على الأرشيف الإسرائيلي، الذي تم فتحه في الثمانينيات، واطلاعهم على وثائق تفضح ما قامت به طوال السنوات الماضية.

قراءة نقدية للتاريخ الصهيوني

 

وتميز الأكاديميون الجدد بان معظمهم لم يعش «معجزة ولادة الدولة» وأن معظمهم عاش فترة طويلة خارج إسرائيل لإكمال دراسته في دول غربية، وهو ما أثر على طريقة تفكيرهم، وجعلتهم ينظرون إلى مجتمعهم من بعد نظرة نقدية، أيضًا ساهم في وجودهم تحول إسرائيل نحو الليبرالية، والفردية، بمعنى أنه لم يعد لازمًا لكل المواطنين تبني أيديولوجية الدولة.

ويعد كتاب «التطهير العرقي في فلسطين»،  للمؤرخ الإسرائيلي، إيلان بابيه، من أهم الكتب التي أصدرتها هذه المجموعة، حيث كشف بالوثائق عمليات التطهير العرقي التي قامت بها العصابات الصهيونية، وعلى رأسها عصابة الهاجاناة، ومن بعد ذلك الحكومة الإسرائيلية، تحت قيادة بن جوريون، لتطهير فلسطين عرقيًا من العرب، وقال إن مصطلح النكبة غير كافٍ لوصف ما حدث في فلسطين، وإن المصطلح الأوقع هو مصطلح التطهير العرقي، لأنه يحدد الطرف الذي قام بهذا التطهير.

ورفض بابيه الأفكار السائدة عن نزوح الفلسطينيين عن وطنهم طواعية، وقال إنها تمت تحت ضغط جريمة ضد الإنسانية قام بها الصهاينة.

الوسوم

أحمد بلال

صحفي مصري متخصص في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، ورئيس تحرير موقع "إسرائيل الآن". عمل في عدة صحف مصرية وعربية، ويعمل حاليًا في صحيفة "المصري اليوم".

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق