الصهيونية

الصهيونية الروحية في فكر آحاد هعام: المركز الروحي بديل للدولة

الصهيونية الروحية | إسرائيل الآن | كتب- أحمد بلال:

أهملت الصهيونية السياسية التي نادى بها هرتزل، الجانب الروحي من الحياة اليهودية، فاكتفت بالبحث عن حل سياسي ودبلوماسي فقط لما أسمته «المشكلة اليهودية»، وهو ما أدى إلى ظهور دعوة صهيونية جديدة، أُطلق عليها الصهيونية الروحية ، ونادى بها المفكر الصهيوني آشر جنزبرج، المعروف باسم «آحاد هاعام»، والذي اهتم بالجانب الثقافي والروحي في بعث القومية اليهودية.

وفي الوقت الذي رأى فيه هرتزل «المشكلة اليهودية» مشكلة سياسية، رآها آحاد هاعام مشكلة أخلاقية وروحية وحضارية، ومن هنا اختلف الاثنان، ورأى آحاد هاعام، أن اليهودية وليس اليهود، هي التي يجب أن تكون محور التفكير القومي اليهودي. وهنا يحاول آحاد هاعام تقديم حل يختلف عن حل هرتزل، وهو محاولة التوفيق بين قيم الحضارة اليهودية، وقيم الحضارة العلمانية، وهي حضارة العالم الحديث.

الصهيونية الروحية

 

لم يختلف آحاد هاعام عن هرتزل فقط في حله لما أسموه «المشكلة اليهودية»، وإنما اختلف أيضًا في طريقة تحقيق هذا الحل، فطريق السياسة والدبلوماسية، الذي سلكه هرتزل، لم يكن يتناسب مع شخصية آحاد هاعام، الذي لم يكن يثق كثيرًا في عالم غير اليهود، متأثرًا في ذلك، بحياته في الجيتو، بعكس هرتزل، الذي انفتح على قيم الحرية والمساواة في العالم الغربي. فرأى آحاد هاعام أن الطريق يجب أن يكون من داخل العالم اليهودي، عن طريق بعث الروح اليهودية أخلاقيًا وحضاريًا، لمقاومة ضياع الشخصية اليهودية في العالم المعاصر.. فيما سيعرف بعد ذلك بـ الصهيونية الروحية

المركز الروحي في الصهيونية الروحية

 

قدم آحاد هاعام فكرة المركز الروحي كإحدى الدعائم التي تقوم عليها صهيونيته ( الصهيونية الروحية )، فهو يرى ضرورة أن يبني اليهود لأنفسهم مركزًا روحيًا لقوميتهم في فلسطين، حيث أن اليهود في رأيه يمتلكون شعورًا قوميًا يجب أن يكون له مركزًا واحدًا يتجهون إليه، كي يشعرون بوحدتهم الروحية، ولتقوية شعورهم القومي في الشتات، ولربطهم بيهود فلسطين، ولإعادة الاستقلال الفكري واحترام الذات لليهود.

وتعرض آحاد هاعام لنقد كبير من قبل الصهاينة السياسيين، بسبب رفض فكرة المركز الروحي لليهود للهجرة الكلية للجماعات اليهودية إلى فلسطين.

ورأى آحاد هاعام أن علاج المشكلة المادية ليس بالحصول على بيت يعيش فيه اليهودي، وإنما برفع روحه المعنوية، وبعث إحساسه القومي. وأن الصهيونية يجب أن لا تحدد أهدافها بالعمل المادي على استيطان فلسطين، وإنما يجب الجمع بين الاستيطان وبناء المركز الروحي، الذي يجب أن يكون مصدرًا للثقافة اليهودية، كما رأى ضرورة بناء المؤسسات الثقافية والتعليمية اليهودية فل فلسطين.

الصهيونية الروحية
آحاد هاعام مؤسس الصهيونية الروحية

الأمة اليهودية في الصهيونية الروحية

 

ويقول آحاد هاعام إنه يؤمن أن بناء الأمم يتدرج من المراحل الأدنى وتأمين الحياة السياسية والاقتصادية، حتى المراحل الأعلى المتمثلة في بناء المركز الروحي، إلا إنه يرى أن هذا الأمر لا ينطبق على «الأمة اليهودية» لأنها أمة قديمة، نمت وتطورت، ثم انقطع نموها، ومن ثم فإنه يجب أن يتم العمل في الطريقين بشكلٍ متوازٍ.

ويرى آحاد هاعام أن تحسين أوضاع الشعب اليهودي السياسية والاقتصادية لن تساهم في إحياء الروح اليهودية، ويرى أن الصهيونية السياسية لن تساهم في إحياء هذه الروح طالما اهتمت بالجانب المادي، بقدر ما ستحييه الصهيونية الروحية

بعد مشاركته في المؤتمر الصهيوني الأول، كتب آحاد هاعام، مقالة عبر فيها عن رأيه في الدولة التي ينوون إقامتها، وأعرب عن معارضته لتيار الصهيونية السياسية الذي يتزعمه هرتزل.

قد يهمك: الصهيونية السياسية في فكر بنسكر وهرتزل: بين “التحرر الذاتي” و”دولة اليهود”

الدولة اليهودية في الصهيونية الروحية

 

وشكك آحاد هاعام في قدرة الصهيونية السياسية على حل المشاكل المادية لليهود، وقال إن الدولة التي ينوون إنشائها لن تتمكن من استيعاب يهود العالم، وإنها ستستوعب عدد قليل منها، ثم تساءل كيف لهذه الدولة اليهودية أن تعالج المشكلة اليهودية لكل اليهود في المنفى.

ويرى آحاد هاعام أن المشكلة الروحية تظهر في شكلين مختلفين، المشكلة الروحية الشرقية، الخاصة بيهود الشرق، والمشكلة الروحية الغربية، الخاصة بيهود الغرب، ويرجع ذلك الاختلاف إلى أن هناك اختلاف بين صهيونية يهود الشرق وصهيونية يهود الغرب، وقال إن المؤتمر الصهيوني الأول حل مشكلة اليهودي الغربي ولم يحل مشكلة اليهودي الشرقي، ويوضح هذا الاتهام الاتجاه العنصري داخل الحركة الصهيونية.

ورأى آحاد هاعام خطورة على اليهودية من خروجها من الجيتو، وقال إن خروجها سيؤدي إلى انفصامها لأكثر من يهودية لكل منها شخصيتها حسب دولة المنفى. وقال في إطار تنظيره لـ الصهيونية الروحية إن اليهودية لا تقبل المنفى، وإنها تسعى إلى مركز تاريخي تتطور فيه تطور طبيعي، وهذا لا يحتاج لدولة، بقدر ما يحتاج إلى توفير الظروف التي عاشت فيها اليهودية.

واتهم الصهاينة السياسيين أنهم بعيدون عن التراث اليهودي ومن ثم فإن هذا يعني ضياع الدولة التي يفكرون في إنشائها.

الوسوم

أحمد بلال

صحفي مصري متخصص في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، ورئيس تحرير موقع "إسرائيل الآن". عمل في عدة صحف مصرية وعربية، ويعمل حاليًا في صحيفة "المصري اليوم".

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق