الحياة السياسية

محاولات تطوير النظام السياسي الإسرائيلي : كيف أثر عليه العامل البشري؟

تطوير النظام السياسي الإسرائيلي | كتب- أحمد بلال:

 

عرف النظام السياسي الإسرائيلي العديد من الأزمات منذ تأسيس الدولة، حتى أصبحت الأزمات جزء من هذا النظام نفسه، وتعد الاختلافات الكبيرة في الثقافة السياسية لدى الإسرائيليين إحدى أهم المسببات لهذه الأزمات.

وتأثرت الثقافة السياسية الإسرائيلية كثيرًا بالعامل البشري، حيث ساهم في تشكيل التعددية في إسرائيل، والتي وصلت إلى مرحلة يمكن تسميتها بالتشظي السياسي. كما تختلف الثقافة السياسية للسفارديم والأشكنازيم في إسرائيل، على سبيل المثال، فيما يثق الأشكنازيم في السلطة ومن يمارسها، بسبب وجودهم فيها منذ نشأة إسرائيل، فإن السفارديم لا يثقون كثيرًا في السلطة، أو في من يمارسها، ويعيشون تناقضًا بسبب كثرتهم العددية وقلة من يتقلد مناصب قيادية منهم. وقامت عدة حركة احتجاجية سفاردية ضد سيطرة الأشكنازيم كان أشهرها حركة الفهود السود.

العامل البشري وتطوير النظام السياسي الإسرائيلي

 

أيضًا هناك في إسرائيل من يمتلك ثقافة سياسية مختلفة، من شأنها أن تؤثر على شكل النظام السياسي الإسرائيلي ، يُطلق على هؤلاء «جيل الصابرا»، وهم الإسرائيليين الذين وُلدوا في إسرائيل، ولا يعرفون وطنًا بديلًا، ولم يُهاجرون من أي وطن، وبالتالي يتميزون بأنهم أكثر عدوانية تشددًا خاصة فيما يتعلق بالانسحاب من الأراضي المحتلة.

يوجد في إسرائيل أيضًا ثقافات سياسية مختلفة، تسبب فيها العامل البشري، ففلسطينيي 48 أصحاب الأرض لديهم ثقافتهم المختلفة عن بقية الكيان، وهم يمثلون 20% من السكان في إسرائيل، ويحتفظون بثقافة فلسطينية عربية، ويشكلون أحزابهم الخاصة بهم، ويخوضون انتخابات الكنيست الإسرائيلي، وينجحون في دخوله، وتعرضوا لسنوات من القمع تحت العسكري، كما يتعرضون للتمييز حتى الآن.

أيضًا هناك الفلاشا، وهم الإسرائيليون القادمون من أثيوبيا، ويعانون من أشد أنواع التمييز، لذلك نجدهم يعيشون في أحزمة الفقر حول المدن، ولم ينجحوا بعد في تنظيم أنفسهم واقتحام الحياة السياسية الإسرائيلية.

محاولات تطوير النظام السياسي الإسرائيلي

 

عرف الكيان الصهيوني عدة محاولات لـ تطوير النظام السياسي الإسرائيلي ، إلا أن معظم هذه المحاولات باءت بالفشل، فعلى الرغم مثلًا من تقليل التمييز نحو السفارديم، إلا أن ثمة تمييز مازال موجود، يتضح في وجود أحزاب معبرة عن الأشكنازيم وأخرى معبرة عن السفارديم، وأيضًا من تصريح أرييه درعي، في انتخابات 2015 أن قائمة «الليكود- بيتنا»، قائمة تعبر عن «الروس والبيض».

كما حاولت إسرائيل استيعاب الأقلية العربية وتمردها على قمع المؤسسة الإسرائيلية، فسمحت لها بتشكيل أحزابها والترشح للكنيست، إلا أن ذلك لم ينجح في أسرلتها.

الدستور وتطوير النظام السياسي الإسرائيلي

 

يستمد كل نظام سياسي في العالم أساسياته من دستوره، إلا أن إسرائيل لم تكتب دستورها بعد، وشهدت قضية كتابة الدستور شدًا وجذبًا بين الأطراف المختلفة، وشهد النظام السياسي الإسرائيلي عدة محاولات لتطويره من خلال محاولات كتابة الدستور.

قد يهمك: إشكالية الدستور في إسرائيل: لماذا لم تكتب تل أبيب دستورها حتى الآن؟

فمع تأسيس إسرائيل عام 1948، كانت قضية الدستور من القضايا المطروحة، كأي دولة طبيعية في العالم، إلا أن العامل البشري، وتأثيره على طبيعة النظام السياسي في إسرائيل، لعب دور أيضًا في مسألة كتابة دستور من عدمها، حيث انقسم مؤسسو الدولة إلى فريقين، الأول يطالب بكتابة دستور للدولة، والآخر يرى في ذلك خطورة، ويطالب بتأجيل الأمر إلى مرحلة لاحقة، وتم حسم الأمر بالاعتماد على «قوانين الأساس»، وهي قوانين لأمور محددة أو هيئات بعينها مثل الكنيست والجيش، تأخذ قوة الدستور وتكون حاكمة.

ومنذ قيامها حتى الآن، لم تشهد إسرائيل دستورًا مكتوبًا، لتخوفها من حدوث ازدواجية أو صراع في المجتمع، وخاصة بين المعسكرين الديني والعلماني، فيما يتعلق بهوية الدولة، وبعض التعريفات الهامة التي تقوم الدولة عليها، بصفتها دولة «يهودية ديمقراطية» بحسب «وثيقة الاستقلال»، ومن هذه التعريفات أو الإشكاليات، إن شئنا، سؤال: «من هو اليهودي»؟!.

إشكالية الدستور في إسرائيل

 

بُعيد إعلان تأسيس الدولة، تم تكليف الكنيست الأول بالإعداد لدستور، إلا أن المناقشات طوال عام كامل لم تصل إلى نتيجة، في محاولة لـ تطوير النظام السياسي الإسرائيلي ،حيث اعترض حزب ماباي الحاكم في ذلك الوقت على تأسيس الدستور، بإيعاز من أول رئيس وزراء إسرائيلي، ديفيد بن جوريون، الذي رأى أن الدستور سيقيد النظام الإسرائيلي، وسيمنعه من التطور، وتذرع أيضًا بأن إسرائيل قائمة على الهجرة الصهيونية، وعندما تُكتمل الهجرة فقط يمكن كتابة الدستور، حيث أن إسرائيل في وجهة نظرة «لم تكتمل أرضها ولم يكتمل شعبها».

إلى جانب اعتراضات ديفيد بن جوريون، كان هناك اعترضات أيضًا من التيار الديني اليهودي، الذي يؤمن بأن التوراة هي الدستور، وأن القوانين يجب أن تكون مستمدة من الشريعة اليهودية لا من غيرها، وهو ما كان من شأنه تفجير صراع ديني- علماني داخل الدولة الوليدة.

في عام 1950، قرر الكنيست تخويل لجنة الدستور والقانون لعمل مسودة دستور، تنطلق من ما يُعرف بـ«قوانين الأساس»، وهي قوانين ذات مكانة أعلى من القوانين العادية، ولا يمكن لقانون عادي أن يبطلها إلا بشروط خاصة وظروف معينة، ولا يتم تغييرها إلا بموافقة أغلبية غير عادية بالكنيست، على أن يتم صياغة الدستور من مجموع قوانين هذه الأساس، عندما يكون هناك إحساس أنها كفيلة بصياغة دستور كامل، إلا أن هذه اللحظة لم تصلها إسرائيل بعد.

محاولات جديدة لـ تطوير النظام السياسي الإسرائيلي

 

منذ تأسيسها، اعتمدت إسرائيل النظام البرلماني، نظامًا لها، حيث ينتخب الجمهور أعضاء الكنيست بشكل مباشر، فيما يشكل الكنيست الحكومة، عن طريق تكليفه لأحد أعضائها بتشكيل الحكومة. وسيطر حزب الماباي ومن بعده العمل على الحكومة حتى عام 1977، عندما تولى الليكود السلطة لأول مرة، ومنذ ذلك الحين، عانت إسرائيل من عدم استقرار الائتلافات الحكومية، وظهور ظاهرة الانتخابات المبكرة، وهو ما أدى إلى خضوع الأحزاب الكبيرة لابتزاز الأحزاب الصغيرة، التي تفرض شروطها عليها للانضمام للائتلاف الحكومي.

حدثت عدة محاولات في هذه الفترة لـ تطوير النظام السياسي الإسرائيلي لضمان استقرار أكبر للحكومات أو الائتلافات الحكومية عن طريق تخليصها من ابتزاز الأحزاب الصغيرة، فرفعت نسبة الحسم عام 1992 من 1% إلى 1.5%، ثم رفعتها مرة أخرى إلى 2% في الكنيست الـ 17.

وفي إطار محاولات تطوير النظام الإسرائيلي تشكلت لجنة أكاديمية في مطلع التسعينيات من 23 شخصية لكتابة الدستور، ومنحوا لأنفسهم 60 يومًا للانتهاء منه، واتفقت اللجنة بالفعل على عدة نقاط من بينها، من هو اليهودي؟، وشكل النظام السياسي المناسب لإسرائيل، (برلماني- رئاسي)، وأيضًا دور المؤسستين الدينية والعسكرية في صنع القرار السياسي، واستمرت اللجنة في عملها حتى أوقفه الرئيس شامير.

تحصين منصب رئيس الوزراء

 

شهدت محاولات تطوير النظام السياسي الإسرائيلي في محاولة لتحصين رئيس الوزراء أمام حالات الابتزاز السياسي التي تمارسها الأحزاب الصغيرة في الكنيست، اعتمدت إسرائيل نظام الاقتراع المباشر على رئيس الوزراء من المواطنين مباشرة، في 1996، وفاز في هذه الانتخابات بنيامين نتنياهو على حساب شيمون بيريز، وفي 1999، فاز باراك على حساب نتنياهو، ثم تم إلغاء هذا النظام في انتخابات 2003.

وشكل الانتخاب المباشر لرئيس الحكومة في إسرائيل أزمات سياسية وحزبية حادة بعكس ما كان مرجوًا منها، ما أدى إلى إلغائه في انتخابات 2003.

في عام 2005، كانت هناك محاولة أخرى لتطوير النظام الإسرائيلي، قام بها الرئيس موشي كاتساف، والذي كلف لجنة من الخبراء، يترأسها رئيس الجامعة العبرية، لوضع مقترحات تطوير النظام، وتوصلت اللجنة في النهاية إلى أن النظام البرلماني، رغم مساوئه، إلا أنه هو النظام الأفضل لإسرائيل من النظام الرئاسي، كما اقترحت اللجنة تغيير نظام الانتخابات في إسرائيل من نظام قائم بنسبة 100% على نظام القوائم، إلى نظام نصفه قائم على نظام القوائم، والنصف الآخر قائم على النظام الفردي.

شارون و تطوير النظام السياسي الإسرائيلي

 

بعد عام واحد من محاولة كاتساف لـ تطوير النظام السياسي الإسرائيلي ، قام رئيس حزب كاديما في ذلك الوقت، 2006، أرئيل شارون، بمبادرة لـ تطوير النظام السياسي الإسرائيلي ، وجعله رئاسي على النمط الأمريكي، ويبدو أن محاولة شارون كانت تهدف إلى حماية رئيس الوزراء ليس فقط من ابتزاز الأحزاب الصغيرة، وإنما أيضًا، من ابتزاز كتلة حزبه له إذا اختلف معها، إذا استدعى الأمر ذلك، كما حدث معه في 2005 بعد انسحابه، وهو رئيس وزراء، من قطاع غزة بشكل أحادي الجانب.

إلى جانب محاولة شارون، بادر الرئيس الإسرائيلي السابق، شيمون بيريز، بمحاولة أخرى لـ تطوير النظام السياسي الإسرائيلي ، حين ناقش في «مؤتمر الرئيس» هذا الملف، وناقش فيه قضيتين أساسيتين، الأولى: من هو اليهودي؟. والثانية: كيفية بناء النظام الإسرائيلي على أسس جديدة، وخلص بيريز من هذا المؤتمر بأن هناك ضرورة لكتابة دستور، وضرورة للتوقف عن الرجوع لقوانين الأساس والأعراف.

وخلص المؤتمر بوضع توصيات أساسية يتم الانتهاء منها قبل عام 2013، من بينها إعادة النظر في مهام وصلاحيات المحكمة العليا، وضرورة تآلف الأحزاب، وتوحيد اللغة والفكر في المؤسسة التشريعية.

ورأى «مؤتمر الرئيس» أن عدم تطوير النظام سيؤدي إلى انهياره وتحويله إلى نظام ديني- عسكري. كما ارتبط تطوير النظام بقضية عزلة إسرائيل ومحاولات نزع الشرعية عنها بسبب النظام القائم، إضافة إلى وجود أهمية لتطويره من أجل الدخول في علاقات مع العالم العربي.

ويرى البعض أن هناك اتجاهًا كبيرًا في الكيان لـ تطوير النظام السياسي الإسرائيلي ، بسبب عسكرة الدولة والفساد في السلطة التشريعية وأجهزة الدولة، إلا أن هناك رأي أيضًا يقول بمعارضة المؤسسة العسكرية لهذا التطوير لتعارضه مع مصالحها.

الوسوم

أحمد بلال

صحفي مصري متخصص في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، ورئيس تحرير موقع "إسرائيل الآن". عمل في عدة صحف مصرية وعربية، ويعمل حاليًا في صحيفة "المصري اليوم".

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق