إسرائيل من الداخلالجيش والأمن

نظرية الأمن القومي الإسرائيلي وركائزها وتطورها: كيف تدير تل أبيب الصراع؟

الأمن القومي الإسرائيلي | إسرائيل الآن | كتب- أحمد بلال:

اعتمد مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي بشكل كبير على المبادئ الصهيونية، وعلى كون المشروع الصهيوني مشروع استيطاني، قائم على نقل كتلة بشرية محل شعب، وإلغاء تاريخه والاستيلاء على أرضه، ولعب ذلك دور كبير في صياغة الكثير من المفاهيم، التي تشكل ركائز نظرية الأمن القومي الإسرائيلي، حيث قاعدة وجود إسرائيل في «تهديد مستمر»، وفي صراع «شبه أزلي» مع العرب، لذلك فإنها تعمل بناء على قاعدة «نكون أو لا نكون».

وينطلق مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي من نظرية «أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض»، ومن ثم فإذا وجد هذا الشعب فلابد أن يغيب، ولذلك فإن نظرية الأمن الإسرائيلية تنطلق من إنكار الزمان العربي والوجود العربي، أي أن ردع العرب وإضعافهم هو هدف أساسي لنظرية الأمن الإسرائيلية.

ولا تستهدف نظرية الأمن القومي الإسرائيلي تحقيق الأمن عبر ضمانات دبلوماسية وسياسية فقط، وإنما عبر إيجاد الوسائل العملية الداخلية لدى إسرائيل القادرة على تجسيد نظرية الأمن، ويتجسد ذلك في جيش قوي، يشكل سياج أمني لإسرائيل في مرحلة، وفي أخرى يضمن تحقيق نظرية الأمن القائمة على التوسع في الأرض العربية.

مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي

 

وتتأثر نظرية الأمن القومي الإسرائيلية بشكل كبير بمحدودية العمق الاستراتيجي للدولة، حيث تعتبر النظرية إسرائيل كلها منطقة حدودية، ومن ثم يتوجب على إسرائيل نقل الحرب إلى أرض العدو، وضرورة السبق بتوجيه الضربة الأولى من خلال حرب خاطفة لتجنب الحرب الطويلة، وأيضًا تفادي الحرب الفجائية بتحصين الحدود بالمستوطنات، وضرورة تحقيق خسائر بالطرف العربي كي لا تُجبر إسرائيل على تقديم تنازلات سياسية.

أبعاد نظرية الأمن الإسرائيلية

 

ولنظرية الأمن القومي الإسرائيلي أبعاد مختلفة:

  1. البعد السياسي، ويتمثل في الحفاظ على الكيان السياسي للدولة.
  2. البعد الاقتصادي، ويرمي إلى توفير المناخ المناسب للوفاء باحتياجات الشعب وتوفير سبل التقدم والرفاهية له.
  3. البعد الاجتماعي، ويرمي إلى توفير الأمن للمواطنين بالقدر الذي يزيد من تنمية الشعور بالانتماء والولاء.
  4. البعد المعنوي، ويؤمن الفكر والمعتقدات يحافظ على العادات والتقاليد.

مرتكزات الأمن القومي الإسرائيلي

 

وتقوم نظرية الأمن القومي الإسرائيلي على خمس مرتكزات استراتيجية رئيسية:

  • أمن القاعدة (تهويد الأرض والسكان)

كان الهدف الصهيوني دائمًا هو إقامة دولة يهودية نقية، لذلك فإن نظرية الأمن القومي الإسرائيلية ترتكز على تهويد أرض وشعب فلسطين بالكامل، وهي بذلك تعتبر الخطر الديموغرافي من التهديدات التي تعترض الأمن القومي الإسرائيلي

  • إقامة مجتمع عسكري

وذلك لتعويض إسرائيل عن النقص الديموغرافي، وعدم استطاعتها إقامة جيش عامل كبير.

  • القدرة على الردع الشامل

حيث يقوم مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي على مبدأ الاستعداد التام، وعلى نظرية القوة الكاملة الضاربة، التي تشكل سدًا منيعًا وقويًا يحمي إسرائيل ويمنع الدول العربية من القيام بأي تهديد لها، أيضًا استخدام هذه القوة في توسيع الرقعة الجغرافية لإسرائيل عبر الاحتلال وتأمين الاستيطان.

  • الحرب القصيرة خارج الحدود

أي حتمية إنهاء المعركة في أقصر وقت ممكن، نظرًا للقيود البشرية والاقتصادية التي تعاني منها إسرائيل، إضافة إلى سرعة نقلها لأرض العدو لقلة عمق إسرائيل، وحتى لا يتأثر قلب إسرائيل ذو الكثافة السكانية والاقتصادية.

  • أمن العلاقة مع المركز (الولايات المتحدة)

تقوم نظرية الأمن القومي الإسرائيلي على مبدأ الاحتماء والاعتماد على كل مركز دولي يشكل قوة عظمى، وأن ترتبط معه بمصالح قوية ومعقدة، وقد بدأت الحركة الصهيونية ثم إسرائيل هذه الاستراتيجية في علاقتها ببريطانيا، ثم  الانتقال بالعلاقة إلى ألمانيا، ثم الولايات المتحدة، وها هي تنتقل الآن لجعل الصين هي المركز الذي تعتمد عليه.

  • الأمن الإقليمي

وتقوم نظرية الأمن القومي الإسرائيلي أيضًا على تعزيز أمن إسرائيل الإقليمي، من خلال التفوق على الدول العربية مجتمعة، سواء عسكريًا أو اقتصاديًا، وقطع الطريق على هذه الدول لعدم تحسين مواقعها.

  • المبالغة في استعمال كلمة الأمن لفظًا ودلالة

وذلك لتعزيز الهاجس الأمني لدى الإسرائيليين، وإظهار أن إسرائيل تعيش في «تهديد مستمر»، ولكسب الرأي العام العالمي،  وتعد كلمة الأمن عنصرًا دائمًا في أحاديثهم وكتاباتهم.

 

تطور نظرية الأمن القومي الإسرائيلية

 

مرت نظرية الأمن القومي الإسرائيلي بعدة مراحل تطور، منذ إنشاء إسرائيل عام 1948 وحتى الآن، ويمكن إجمال هذه المراحل فيما يلي:

  • المرحلة الأولى (1948- 1967) : الضربة المضادة الاستباقية

كان المُسيطر على الإسرائيليين منذ تأسيس الكيان الشعور بالخطر الوجودي، بمعنى أن أي مواجهة تُهزم فيها إسرائيل في هذه المرحلة تعني القضاء على إسرائيل، لذلك رفضت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تبني استراتيجية تقوم على الدفاع البحت.

وقام مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي في مرحلته الأولى على مفهوم «الضربة المضادة الاستباقية»، الذي كان يرتبط بانعدام العمق الاستراتيجي لإسرائيل. وينطلق هذا المفهوم من مقولة مفادها أن من الحيوي عدم السماح مطلقًا بأن تدور الحرب فيما يسمى بـ”أرض إسرائيل” (الأراضي الفلسطينية المحتلة)، بل يجب نقلها وبسرعة إلى أراضي العدو.

لذلك قامت إسرائيل في هذه المرحلة على إعداد المستعمرات الحدودية وتهيئتها بشكل كامل للقتال، من حيث تزويدها بالسلاح والتحصينات، وكافة الترتيبات الأمنية إضافة إلى وسائل المراقبة.

وشهدت نظرية الأمن القومي الإسرائيلي في هذه المرحلة ذاتها بعض التطورات، من بينها ضرورة أن تعتمد إسرائيل على ذاتها (جيشها) في تحقيق أمنها، لا الاعتماد على حليف قوي فقط، وذلك بعد أن أجبرت الولايات المتحدة إسرائيل على الانسحاب من سيناء عام 1956.

كما طورت إسرائيل نظرية أمنها من مفهوم للردع إلى مفهوم لذرائع الحرب الاستباقية يقوم على شن حرب استباقية إذا حاول العدو التصرف في أرضه على نحو يقلق إسرائيل، مثل المساس بحرية العبور أو حشد قوات على الحدود مع إسرائيل أو حرمانها من مصادر المياه، لذلك كان تأميم قناة السويس وإغلاق مضيق تيران في مصر يتطلب عملًا عسكريًا.

  • المرحلة الثانية (1967- 1973): نظرية الحدود الآمنة

تطور مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي لتظهر نظرية «الحدود الآمنة»، وهي نظرية وُضع أساسها قبل عام 1967 لكنها تبلورت بعد حرب 1967، وقد شرحها وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك بأنها نظرية تقوم على حدود يمكن الدفاع عنها دون اللجوء إلى حرب وقائية، قائلًا إن «حدود آمنة بلا سلام، أفضل من سلام بلا حدود آمنة».

نجحت إسرائيل في حرب يونيو 1967 في احتلال أراضي تمثل ضعف مساحتها تقريبًا، وهو ما جعلها تنعم بـ«عمق استراتيجي» حقيقي لأول مرة في تاريخها (حتى عام 1973 على الأقل)، وجعل الحرب تبتعد عن مركز الدولة، كما منح لإسرائيل ميزة الإنذار المبكر، حيث مثلت الأراضي التي احتلتها إسرائيل حدودًا طبيعية تمثل «حائط دفاعي»، يمكن أن يكون عاملًا رادعًا بذاته، أو على الأقل يحسن من قدرات إسرائيل الدفاعية بدرجة كبيرة.

تخلى مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي خلال هذه المرحلة عن مبدأ الضربة الاستباقية، لقدرتها على امتصاص الضربة الأولى من العدو، لسماح العمق الاستراتيجي الجديد للدولة بذلك، إضافة إلى اتباع إسرائيل نظرية الدفاع الثابت، عبر الحدود الآمنة التي توفرت لها، عبر إقامة تحصينات مثل خط بارليف وهضبة الجولان، حتى يمكنها التوفيق بين اعتبارات الجيش النظامي الصغير، والاحتياط الذين يعيشون في مركز إسرائيل.

مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي
يعتمد مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي على نقل المعركة إلى أرض العدو.. الصورة لقوات صهيونية في سيناء 1967
  • المرحلة الثالثة (1973- 1990): ذريعة الحرب

وتذهب هذه النظرية إلى أن إسرائيل لن تتمكن بأي شكل من الأشكال من الامتناع عن تبني استراتيجية الحرب الوقائية وتوجيه الضربات الاستباقية في حال تعرضها لتهديد عربي. وأضافت إسرائيل لهذا التصور مفهوم حرب الاختيار، ومفهوم ذريعة الحرب كمبررات لشن حرب من أجل تحقيق مكاسب سياسية أو أمنية، كما تم تطوير استراتيجية الردع النووي، في هذه المرحلة، وتوقيعا اتفاق التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة عام 1981.

وفي الثمانينيات من القرن الماضي، حولت المقاومة اللبنانية والانتفاضة الفلسطينية الأنظار غن مفهوم «الحرب الخاطفة»، إذ طرحت إمكانية «حرب طويلة»، تعتمد على الاحتكاك المباشر على الأرض.

وظهرت في هذه المرحلة نظريين هامتين:

  • نظرية المناطق العازلة

وتعني إقامة مناطق عازلة مجردة من السلاح أو محدودة القوات، لتكون بديلًا، أو لنقل تطورًا لنظرية «الحدود الآمنة»، وتعتبر هذه النظرية من أهم البدائل الاستراتيجية التي طرحت عقب حرب 1973، فقد أتاحت هذه النظرية إجلاء القوات الإسرائيلية عن سيناء، عقب الاتفاق مع مصر، دون المخاطرة بهجوم بري مصري مفاجئ وفعال على مراكز إسرائيل الحيوية.

  • نظرية المجال الحيوي الإسرائيلي

حيث حددت إسرائيل منذ عام 1982 دائرة مجالها الحيوي، حيث وسعت مصالحها الأمنية لتتجاوز العالم العربي كله، وقد جاء ذلك ترجمة لما حصلت عليه إسرائيل من أسلحة قادرة على تغطية كل هذه الدائرة.

ومن أمثلة تطبيقات نظرية الأمن القومي الإسرائيلي في هذه المرحلة، قصف المفاعل النووي العراقي، الإغارة على تونس بسبب تواجد منظمة التحرير الفلسطينية على أراضيها، ومن قبلها شن حرب على لبنان لنفس السبب، إضافة إلى القيام بعمليات مشبوهة في أفريقيا، واغتيال عدد من قيادات المقاومة والكفاءات العسكرية والعلمية العربية.

مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي حرب لبنان
مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي حرب لبنان
  • المرحلة الرابعة (1990- 2000): مناطق عازلة وسلام مسلح

شهد عقد التسعينيات تطورات هائلة انعكست بشكل كبير على نظرية الأمن القومي الإسرائيلي ، مثل انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة، وهو ما أفقد العرب حليف استراتيجي وقوى الموقف الإسرائيلي في الميزان الاستراتيجي. إضافة إلى اندلاع حرب الخليج، التي أبرزت عدد من الفجوات في مفهوم الأمن الإسرائيلي، مثل عدم وجود قدرة ملائمة مضادة للتهديدات الصاروخية، خاصة القادمة من بعد.

وكانت الانتفاضة الفلسطينية هي الضربة الأقوى التي وجهت لنظرية الأمن الإسرائيلي، إذ أصبح إنكار الوجود الفلسطيني من بعدها أمرًا مستحيلًا، وبذلك لم تعد نظرية الأمن القومي الإسرائيلي تهتم بالخارج فقط، حيث أصبح الداخل أيضًا مصدر تهديد، وهو ما لا يمكن السيطرة عليه مهما بلغت قوة إسرائيل العسكرية.

أيضًا فإن للعملية السلمية التي بدأت في التسعينيات من القرن الماضي، دور هي الأخرى في تعديل النظرية الأمنية الإسرائيلية، إذ أنها ستفضي إلى تقديم تنازلات جغرافية من قبل إسرائيل، ما يعني تآكل العمق الاستراتيجي، ما يتطلب تغيير نظرية الحدود الآمنة، والاعتماد على المناطق العازلة، التي تتضمن بناء شبكة فعالة للإنذار المبكر، وزيادة القدرات الاستراتيجية بعيدة المدى، وتعزيز قوة الجيش، والحفاظ على قوة الردع الاستراتيجي، على أن تنظم كافة الاحتياجات الأمنية في إطار نظرية استراتيجية متجددة تتلاءم مع متغيرات المرحلة.

الاعتماد على نظرية «السلام المسلح»، و«السلام القائم على الأمن»، واعتماد مقولة إن التفوق العسكري الإسرائيلي هو الذي أرغم الدول العربية على التفاوض معها، وأن الحفاظ على هذا التفوق من ضمانات السلام.

إضافة إلى التأكيد على مفهوم الحرب الاختيارية، التي تقوم بها إسرائيل بمحض اختيارها وبدافع من رغبتها في تحقيق مصالحها القومية كما تراها وتحددها، وهي حرب تستجيب لتطور دور إسرائيل في الشرق الأوسط، من دولة تبحث عن الاعتراف والقبول إلى دولة تؤكد دورها السياسي والاستراتيجي في المنطقة.

مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي حرب لبنان
مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي حرب لبنان
  • المرحلة الخامسة (2000: الآن)

شهدت هذه المرحلة خلافات في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي، والتي تتصل جوهريًا بمرتكزات أمن إسرائيل حاضرًا ومستقبلًا، وظهر في إسرائيل معسكرين، يتبنيان مفهومين مختلفين لنظرية الأمن القومي الإسرائيلي ، المعسكر الأول تزعمه شيمون بيريز، فيما تزعم بنيامين نتنياهو المعسكر الثاني.

ويعتمد مفهوم بيريز ومعسكره لـ الأمن القومي الإسرائيلي ، على المستوى الإقليمي، على استبدال العمق الاستراتيجي الجغرافي بالسلام، الذي يوفر عمقًا استراتيجيًا اقتصاديًا وبنيويًا يتلاءم والمتغيرات الدولية، ويبقي التفوق العسكري الإسرائيلي الهائل كصمام أمان دائم ضد احتمالات الحرب. فيما يستند مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي عند نتنياهو إلى نظرية تربط الردع بضرورة وجود العمق الاستراتيجي الجغرافي، حتى لو امتلكت إسرائيل أسلحة استراتيجية.

وتحت وطأة الخلافات في الرؤى بين التيارين، دعت النخبة الحاكمة في إسرائيل ولأول مرة لعقد مؤتمر عام، تحضره الصفوة من رجال الدولة في مختلف المجالات، التي تشكل عناصر هامة في استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلية، وعقد عقد المؤتمر في مدينة هرتسيليا، في ديسمبر 2000، تحت عنوان «ميزان المناعة والأمن القومي الإسرائيلي »، وتناول المؤتمر العديد من الأفكار المتعلقة بإسرائيل، وتضمنت الوثيقة الصادرة عن المؤتمر عدد من الركائز:

مرتكزات نظرية الأمن القومي الإسرائيلي

 

الركيزة اليهودية

وتقوم على تعزيز يهودية الدولة، في محاولة للتخلص من «الكابوس الديموغرافي»، ووضعت الوثيقة عدة بدائل استراتيجية أهمها: إيجاد نوع من التوازن في نسبة الزيادة الطبيعية، وتشجيع وتسريع الهجرات اليهودية، رفض عودة اللاجئين، وتوزيع السكان اليهود بما يحفظ توفقهم إقليميًا وداخليًا، إضافة إلى التدخل في حياة «الشعب اليهودي» أينما وجد.

الركيزة السياسية

دعت الوثيقة إلى التعامل مع العملية السلمية كعملية تسوية شاملة، على أن تكون نتائج التسويات نهائية وثابتة، وهو ما يعني الافتقاد لتصور حقيقي لعملية الصراع العربي- الإسرائيلي، أو الفلسطيني- الإسرائيلي. كما طرحت الوثيقة بدائل في حال عدم التوصل لتسوية شاملة، من بينها: المفاوضات الثنائية بمشاركة أمريكية، والفصل أحادي الجانب، والعمل على وجود مفاوضات متعددة الأطراف، ووضعت الوثيقة معيارًا أساسيًا للنجاح هو المصالح الإسرائيلية، أو «الشروط المريحة لإسرائيل»، بحسب الوثيقة.

الركيزة العسكرية

حددت هذه الركيزة دوائر المواجهة مع إسرائيل، والارتباط بين هذه الدوائر، بمعنى أي انفجار في دائرة سيؤدي لانفجارات في دوائر أخرى، وتمركزت الوثيقة حول ثلاث دوائر، تم تقسيمها جغرافيًا إلى:

دائرة محاذية: تشمل الفلسطينيين بما فيهم فلسطينيي 48، إضافة إلى اللبنانيين، وهي دائرة ذات قدرات قتالية متدنية مثل حرب العصابات، والعصيان المدني. واستراتيجية الردع في هذه الدائرة تقوم على تهديد وضرب القيادة التنفيذية للعدو، ومستويات اتخاذ القرار لديه.

دائرة قريبة: وتشمل مصر وسوريا والأردن والعراق، وهي دائرة ذات قدرات قتالية كبيرة برًا وبحرًا وجوًا. وتقوم استراتيجية الردع في هذه الدائرة على الإنذار والدفاع والحسم، وهو ما يتطلب تدريبًا عاليًا، وتعديل نظرية القتال الأرضي، لتكون جاهزة من أجل القتال الواسع.

دائرة بعيدة: وتشمل العمق السوري والعراق وإيران، واستخدام الأسلحة غير التقليدية في هذه الدائرة وارد. وتقوم استراتيجية الردع في هذه الدائرة على استمرار العقوبات الدولية (العراق ثم إيران ثم سوريا)، وتطوير الترسانة العسكرية وخاصة في المجال الجوي، سواء بالصواريخ المضادة للصواريخ، أو حيازة صواريخ متطورة وطائرات بدون طيار وطائرات مقاتلة.

الركيزة التكنولوجية

دعت الوثيقة إلى التركيز على وسائل المعرفة العلمية، وتنمية العامل، وضرورة أن يكون هناك تمييز تكنولوجي في مجالات مثل الأمن والاتصالات، وذلك عبر زيادة ميزانيات البحث والتطوير، من خلال زيادة الاستثمار فيها وتشجيع وجود شركات محلية كبيرة تتحول لشركات دولية مع مرور الوقت.

الركيزة التربوية

رصدت الوثيقة عدم كفاية الدروس القومية، ووجود فجوة كبيرة في التعليم التكنولوجي، ما أدى لتآكل الهوية القومية، لذلك دعت لزيادة ميزانيات التعليم، وزيادة الطلبة الجامعيين، وتنفيذ خطة استراتيجية للتعليم، تبدأ بالروضة وتنتهي بالثانوية العامة، تقوم على تعزيز الروح القومية والتعليم التكنولوجي.

الركيزة الاجتماعية

تعترف الوثيقة بأن التهديد الوجودي لإسرائيل لا ينحصر فقط في المستوى العسكري والاستراتيجي، وإنما أيضًا في المستوى الاجتماعي، ولذلك دعت للتأكيد على الإيمان المشترك بعدالة الطريق، ووحدة الهدف، والذاكرة الجماعية، والتأكيد على القصص التاريخية، وتعزيز رموز الدولة والعادات، وتخصيص حيز للقيم الاجتماعية والقومية، التي يجب خدمتها باعتبارها عنصرًا موحدًا لجميع القطاعات.

 

  • المرحلة السادسة (خطة ميلونيت في 2017)

هي تعديل أجراه جيش العدو على نظرية الأمن القومي الإسرائيلي، بإقراره خطة “ميلونيت” للعمل بها في أي مواجهة مستقبلية على الجبهة الشمالية، التي تضم الحدود مع سوريا ولبنان، وتقضي الخطة، وهي الأولى من نوعها منذ قيام إسرائيل، بإجلاء حوالي 20 ألف من مستوطني المستوطنات الشمالية، إلى مستوطنات في وسط الكيان، وكذلك إلى ملاعب وفنادق ومؤسسات اجتماعية.

والحقيقة أن الأمر يتجاوز الحديث عن مجرد خطة عسكرية، إلى ما هو أكبر من ذلك، فالقضية الرئيسية الآن أننا أمام تعديل إسرائيلي لنظرية الأمن القومي، وتعديل هو الأخطر من نوعه في تاريخ الكيان الصهيوني، الذي اعتمد منذ البداية على الردع دون أن يخطر بباله أن يأتي الوقت الذي يبدو فيه هو نفسه مرتدعًا، التعديل الأخير على نظرية الأمن الإسرائيلية، هو تعديل مفصلي في رأيي، وفي تقديري أيضًا، دون مبالغة، أنه يمكن الحديث عن نظرية الأمن الإسرائيلية ما قبله وما بعده.

أحمد بلال

صحفي مصري متخصص في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، ورئيس تحرير موقع "إسرائيل الآن". عمل في عدة صحف مصرية وعربية، ويعمل حاليًا في صحيفة "المصري اليوم".

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق