رأي

يوسف القعيد يكتب لـ”إسرائيل الآن”: وهل كان لا بد من وجود العدو الإسرائيلى؟!

يوسف القعيد

مارس 2019، 71 سنة على اغتصاب فلسطين. كان مقدراً علينا أن نحيا حتى لحظة معايشة هذه المناسبة. أن نسمع بآذاننا ونرى بأعيننا. العدو الإسرائيلى وهو يحاول أن يخرج من دائرة رفضنا له. ويعثر على اعتراف هنا أو علاقة هناك. أو زيارة لهذا القطر العربى. أو زيارة لأرضه المغتصبة من الفلسطينيين. يقوم بهذه الزيارات بعض الأشقاء العرب للأسف الشديد. وكم من الجمل لا بد أن أكتبها وأنهيها بالأسف. وهل أملك غير الأسف والحزن والإحساس بالفقد. أو ربما بالهوان المباح.

كلنا نقع فى دائرة المسئولية. أتهم الجميع بما فيهم أنا. وإن كنت لا أعرف ماذا يمكن لنا أن نفعل؟ ونحن لا نملك سوى عقولنا وأحلامنا ورؤانا. وهل هناك أمل الآن فى وقف حالة التدهور التام فى العلاقة مع العدو الصهيونى؟ أو وقفها عند درجة معينة وصلت إليها؟ أو منعها من الإنهيار التام الذى يمكن أن يحدث لها؟ أم أن عجلة الواقع قد تجاوزتنا وأمور الحياة اليومية قد أحالتنا مبكراً جداً للمعاش حيث لا نملك سوى أن نجتر ذكرياتنا القدمة؟.

كل المآسى تبدأ فى حقول اللغة. وأذكر أنه بعد ما فعله بمصر وبالوطن العربى وبفلسطين الرئيس السادات. عندما قرر أن يخطب فى الكنيسيت. وعندما رفعت أعلام العدو الصهيونى فى القاهرة. عندما جاء إلينا – أو جاء إلى السادات بمعنى أصح – الإرهابى بيجين القاتل صاحب اليدين الملوثتين بالدماء. دماء الفلسطينيين الطاهرة والشريفة. لقد وقعنا جميعاً وقتها أسرى لكلمة: التطبيع.

والخديعة فى كلمة التطبيع أنها تعنى عودة الشئ إلى طبيعته الأولى. أى أنه كانت هناك علاقة قائمة وموجودة. ثم توقفت. والمطلوب أن تعود كما كانت. وهى كلمة مضللة جداً وخطيرة أكثر من كونها مضللة. لأنه لم تكن هناك علاقة من الأصل والأساس حتى يمكن أن تعود لطبيعتها الأولى.

لا أنتقد الآخرين بقدر ما أنتقد نفسى. فقد جريت كثيراً وراء: لا للتطبيع. معتبراً أن رفع الشعار يعنى مواجهة الكارثة. على الرغم من أنه هناك مسافة كبيرة بين أن نرفع الشعارات وأن نواجه الكارثة. ذلك أمر وهذا أمر آخر تماماً.

بعد رحلة القدس المشؤومة. وبعد إبرام كامب ديفيد. كتبت سلسلة مقالات كنت أنوى إصدارها فى كتاب. لكنى تكاسلت. لأن ما كتبته لم يكن فيه جديد أكثر من تسجيل موقف. وأنا لست فى حاجة لتسجيل المواقف. فكتابتى وشخصى وحياتى كتاب مفتوح للدنيا كلها. وليس لدىَّ ما أخفيه.

كان عنوان الكتاب الذى تخيلته يحتوى هذه المقالات هو:

– المصريون يحرقون كامب ديفيد.

كان هذا فى ثمانينيات القرن الماضى أو تسعينياته. مضت أيام وشهور وسنين. وجرت مياه فى نهر النيل تكفى لأن تروى إفريقيا كلها وليس مصر وحدها. ولن أعيد طرح السؤال ولن أبحث عن إجابته. لأنها مُرة، قاتلة، مخيفة.

كلما سرت فى طريق وجدت كلمة التطبيع أمامى. عندما ترجم العدو الصهيونى روايتى: الحرب فى بر مصر، إلى العبرية ونشرها دون موافقتى طبعاً. وكانت موافقتى أكثر من مستحيلة. حتى مجرد الاتصال بى كان من رابع المستحيلات. جلست أكتب بياناً. فاكتشفت أن العنوان الأمثل له: اغتصاب التطبيع. نشرته فى جريدة الأهالى من باب إبراء الذمة. لأن الرواية ترجمت. والرواية نشرت. والرواية قُرأت. علماً بأن موضوعها عن آخر حرب تمت بيننا وبين العدو الصهيونى.

وعندما جرى تأسيس لجنة الدفاع عن الثقافة القومة ضد الغزو الصهيونى. وكنا نجتمع فى مقر حزب التجمع. ثم فى بيت رئيسة اللجنة لطيفة الزيات بعد ذلك. كنا نرفض واقعاً دون أن نخلق واقعنا البديل نحن. نقول لا للتطبيع. وكأنه حقيقة موجودة لا نملك إزاءها سوى كلمة لا. وليس أكثر من ذلك.

حتى الآن لا أعرف لماذا لم نطرح سؤال: وهل كان لا بد من وجود إسرائيل من الأصل والأساس؟ إنه سؤال لم نطرحه على مدى 70 عاماً. فهل أصبح فى العمر بقية لكى نطرح؟ ونطرحه فى مواجهة غول التطبيع القادم فى الوطن العربى كله؟.

حتى كلمة التطبيع التى أرفضها عدت إليها مرة أخرى دون أن أدرى. رغم كل اعتراضاتى عليها.

يا فرحة العدو

ويا لتعاستنا التى لا نملك سواها.

الوسوم

يوسف القعيد

كاتب وأديب وقصاص مصري معاصر ومن رواد الرواية المصرية، حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة 2008 وحازت روايته "الحرب في بر مصر" المرتبة الرابعة ضمن أفضل مائة رواية عربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق