إسرائيل والعالم

إسرائيل و الصين : كيف تطورت العلاقات بين بكين وتل أبيب إلى التطبيع الكامل

بعد إقامة إسرائيل، وضع ديفيد بن جوريون، في مطلع الخمسينات من القرن الماضي، بعض ثوابت السياسة الخارجية التي اعتبرها ضرورية لتجاوز ما سمي بـ«الطوق العربي» والحصار الدولي على إسرائيل. واعتمد في سبيل تخطي الصعوبة الأولى ما عرف بـ«سياسة القفز فوق الحواجز الاقليمية»، من خلال إقامة جسور أمنية، واقتصادية وسياسية تساعد على التخفيف من وطأة الحصار العربي، لكن كان من الصعب على تلك السياسة مواجهة التحديات التي خلقتها كتلة عدم الانحياز بعد مؤتمري باندونج «1955» الذي أوجد طوقا عالميا من الدول الافريقية والآسيوية، سرعان ما حظي بدعم الاتحاد السوفييتي بعد عدوان يونيو 1967.

وفي مطلع التسعينيات استغلت تفكك الاتحاد السوفييتي ووظفت الضغوط الاميركية لتمرير حركة انفتاح قادت في النهاية الى توسيع علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع معظم دول العالم، ومن بينها الدول الآسيوية، حيث تعتبر إسرائيل وجودها في القارة الآسيوية مسألة تكسبها عاملاً من عوامل القوة في المجال الدولي، وتساعدها على كسب تأييد وتعاطف هذه الدول معها في مواقفها العدائية للفلسطينيين وحقوقهم الشرعية في فلسطين.

كما ان نجاح إسرائيل في اختراق جبهة آسيا يكسبها ميداناً مهماً لنشاط متعدد الاوجه، لا يقتصر على العلاقات الدبلوماسية فقط، بل لتكون مسرحاً يمكن لإسرائيل ان تلعب فيه أدواراً اقتصادية، وسياسية، وعسكرية.

واذا كان الواقع السياسي لدول آسيا، منذ بداية التسعينات من القرن الماضي، قد ساعد اسرائيل على الدخول الى تلك الدول، والتغلغل فيها، فمما لاشك فيه ان العالم العربي هو الآخر قد ساعد على تحقيق ذلك من خلال قبوله بعملية التسوية مع إسرائيل، ما جعل مواقف عدد من الدول الآسيوية تتأثر بهذه العملية.

وشهدت العلاقات الإسرائيلية- الصينية مراحل تطور طويلة، ومنعطفات خطيرة، واختلافات عميقة، وقد يعود ذلك للتأييد الصيني للقضايا العربية على مدار عقود، ما جعل المشوار الصيني- الإسرائيلي، هو الأطول في تاريخ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدول، ومرت العلاقات بين الدولتين بعدة مراحل:

عقد الخمسينيات والاعتراف الإسرائيلي

سارعت اسرئيل في الاعتراف بالصين رسميا في يناير 1950، لتكون أول دولة شرق اوسطية تقدم على هذه الخطوة، الا أن الصين اكتفت برسالة شكر على هذا الاعتراف. نظرت الصين إلى اسرائيل على أنها دولة حليفة للإمبريالية وأداة من أدواتها في منطقة الشرق الأوسط، وعلى هذا الاساس جاء تأييدها ومساندتها لمصر ضد العدوان الثلاثي عام 1956، ومواقفها الواضحة الداعمة للحقوق العربية والمعادية للاحتلال الاسرائيلي في مؤتمر باندونج في العام نفسه.

 

عقد الستينات: الأسوأ في العلاقات

كان هذا العقد هو الأسوأ في العلاقات بين البلدين، حيث دعمت إسرائيل الهند التي كانت تحارب الصين وأمدتها بالأسلحة، كما أقامت علاقات وثيقة مع تايوان، وفي المقابل أقامت الصين علاقات بمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، واستقبلت رئيسها بعد ذلك بعام واحد، واعترفت بها ممثلًا شرعيًا وحيدًا للشعب الفلسطيني.

 

عقد السبعينيات: مد الجسور والتعاون السري

شهد هذا العقد عدد من المتغيرات الداخلية والدولية التي أثرت على العلاقات الصينية- الإسرائيلية، بدأت بتصويت إسرائيل لصالح قبول الصين في الأمم المتحدة عام 1971، والتقارب الصيني- الأمريكي، بعد زيارة الرئيس الأمريكي للصين عام 1972، والخلاف الصيني- السوفيتي، إلى جانب التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد، ثم معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية، إضافة إلى نهاية الحقبة الماوية، وصعود دينج شياو بينج، وانتهاج الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، وشهدت الحقبة أول اتصال رسمي معلن بين إسرائيل والصين، عندما اجتمع مندوب الصين الدائم في الأمم المتحدة مع وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلية عام 1978.

 

عقد الثمانينات: نحو إقامة علاقات دبلوماسية

شهد عام 1988 أول اتصال رسمي بين الصين وإسرائيل، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث اجتمع وزير الخارجية الإسرائيلي، شيمون بيريز، مع نظيره الصيني تشيان تشي تشن، كما شهد عقد الثمانينيات العديد من جولات الحوار بين البلدين في هونج كونج، أسفرت عن إنشاء مكتب تمثيلي لأكاديمية العلوم الإنسانية في بكين، في فبراير 1989، ومكتب سياحي صيني في تل أبيب، يقوده دبلوماسي صيني.

 

عقد التسعينات: التطبيع الكامل واقامة العلاقات الدبلوماسية

شهد عقد التسعينيات عدد من المتغيرات أثرت على العلاقة بين البلدين، والتي شهدت تطورًا أيضًا خلال العقدين الماضيين، حيث انهار الاتحاد السوفيتي، وتحول العالم إلى أحادي القطب، إضافة إلى بدء عملية السلام الإسرائيلية- العربية على مسارات مختلفة، هذا إلى جانب مصالح كل من الصين وإسرائيل، ما أدى إلى إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في يناير 1992.

ومنذ ذلك الحين تعززت العلاقات السياسية بين الصين وإسرائيل, ووجدت تعبيرًا لها في تبادل الزيارات على أعلى المستويات بينهما. وفي الوقت ذاته توثقت وتوسعت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين, وازداد حجم التبادل التجاري بينهما بإطراد خلال السنوات, حيث بلغ في العام الماضي 2012 حوالي 8 مليارات دولار. وفيما بلغ حجم التصدير الصيني لإسرلئيل 5.5 مليار  دولار, فان حجم التصدير الإسرائيلي إلى الصين بلغ في العام الماضي 2.5 مليار دولار تقريبًا.

 

العلاقات التجارية

وتمثل الصين شريكًا تجاريًا هامًا لإسرائيل، لذلك عمدت لعمل تعاون اقتصادي معها طوال الوقت، ففي عام 1993، أقامت جامعة الهندسة الزراعية ببكين مركز تدريب وتأهيل زراعي صيني- إسرائيلي مشترك، ومزرعة نموذجية صينية- إسرائيلية في بكين، ثم أنشأت الدولتين لجنة زراعية مشتركة عام 1997.

كما تم توقيع العديد من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية بين البلدين، كان آخرها ما تم توقيعه خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو مؤخرًا لبكين.

 

العلاقات العسكرية

شهدت علاقات إسرائيل العسكرية مع الصين انتعاشا كبيرا منذ الثمانينات، خاصة مع شعور الصين بحاجتها إلى التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية، والتي استفادت كثيراً من التعاون الإستراتيجي مع واشنطن، فضلا عن تراجع مبيعات الأسلحة الإسرائيلية في تلك الفترة إلى جنوب أفريقيا وأمريكا اللاتينية.وإضافة إلى تشابك المصالح الأمنية والعسكرية بين الصين وإسرائيل، فإن إسرائيل تنظر باهتمام إلى السوق الصيني الواسع والمتعطش للسلع والخدمات المتقدمة، الذي يمكن لإسرائيل أن تحتل موطئ قدم فيه.وقد مهدت العلاقات العسكرية والأمنية بين البلدين لتطبيع العلاقات وتبادل التمثيل الدبلوماسي في يناير عام 1992.

وعلى الرغم من نمو العلاقات التجارية بين البلدين, فقد تضررت العلاقات السياسية بين اسرائيل والصين, عقب إقدام تل أبيب عام 2000, تحت ضغط أمريكي، على الغاء صفقة لتزويد الصين بطائرات فالكون من جانب واحد, حيث اضطرت الى دفع تعويضات للصين, قدرها 350 مليون دولار.

وفي ضوء تعزيز العلاقات بين الصين وإيران على كافة الأصعدة, قلصت إسرائيل إلى حد كبير صادراتها الأمنية الى إلصين, خشية نقلها إلى إيران, ومنها إلى سوريا أو حزب الله، وعلى الرغم من ذلك, فقد طرأ منذ عامين تقريبًا تحسن في العلاقات بين الصين وإسرائيل, تمثل في زيارة قائد الاسطول الصيني لإسرائيل في 2011, وما اعقبها من زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك للصين في الشهر التالي, وأخيرًا زيارة رئيس اركان الجيش الصيني لإسرائيل في أغسطس من العام ذاته.

وجاءت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الأخيرة إلى بكين تتويجًا لسلسلة الحوارات العسكرية الثنائية في العامين الماضيين، وما تزال الروابط العسكرية المتنامية تتطور منذ العام 2011.

وتجدر الإشارة أخيرا إلى التوصيات التي خلص إليها الباحثون الإسرائيليون ورجالات الفكر الإستراتيجي في مؤتمر هرتسيليا التاسع فيما يتعلق بالسبل للدفع بالعلاقات مع الصين وتجهيزها كحليف إستراتيجي جديد، حيث أكدوا على الآتي:ـ

  • إقامة زيارات رسمية رفيعة المستوى بشكل أكثر كثافة، والتأكيد على مدى أهمية إسرائيل في استقرار وأمن المنطقة.
  • ضرورة تعيين شخصيات سياسية مرموقة في السفارة الإسرائيلية بالصين (على مستوى السفراء بالولايات المتحدة)، وليس مجرد شخصيات دبلوماسية، نظرا لأهمية الصين في المرحلة القادمة.
  • استغلال الأشخاص الذين كانت تربطهم علاقات بالصين بسبب خبرتهم في التعامل مع تلك المنطقة من العالم، فضلا عن الصينيين الذين يولون أهمية كبيرة للعلاقات الشخصية.
  • تعزيز التعاون التكنولوجي مع الصين وجذب الاستثمارات، من خلال تدخل عناصر دبلوماسية وسياسية إسرائيلية، الأمر الذي من شأنه أن يسفر عن عقد صفقات ويتيح استغلال المجال الاقتصادي لتحقيق أهداف سياسية. وأهم المجالات في هذا الصدد هي تكنولوجيا الاتصالات، واستغلال مصادر الطاقة، وتحلية مياه البحر، ومكافحة التصحر، والزراعة. كما يؤكد الخبراء ضرورة المشاركة في مشروعات البنى التحتية والمناقصات العامة في الصين.
  • إيجاد سبل لتعزيز التعاون الاستخباراتي بين إسرائيل والصين، مع دفع الصين لزيادة مشاركتها في الجهد الدولي لمكافحة “الإرهاب الإسلامي”.
  • الحذر في التعاون الأمني مع دول أخرى في شرق آسيا للحيلولة دون الإضرار بمصالح الصين، حيث يجب عدم إقامة علاقات عسكرية مع تايوان، ودراسة وضع العلاقات بين الصين والهند قبل عقد اتفاقات أمنية كبيرة مع الهند، حتى تستغل إسرائيل ذلك كورقة مساومة في اتصالاتها مع الصين حول انتشار السلاح الصيني في دول الشرق الأوسط.
  • إقامة علاقات مستمرة بين الجامعات والهيئات السياسية ومراكز الأبحاث الإسرائيلية ونظيرتها في الصين.

أحمد بلال

صحفي مصري متخصص في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، ورئيس تحرير موقع "إسرائيل الآن". عمل في عدة صحف مصرية وعربية، ويعمل حاليًا في صحيفة "المصري اليوم".

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق