عرب وصهاينة

مشاريع الدولة الفلسطينية : من الدولة الديمقراطية الواحدة إلى حل الدولتين

مشاريع الدولة الفلسطينية | كتب- أحمد بلال:

 

منذ أصدر آرثر جيمس بلفور وعده الشهير في 2 نوفمبر 1917، والسؤال الذي لم يتم حسمه بعد هو: ما هو مصير الشعب الفلسطيني؟!. ففيما قررت بريطانيا «العظمى» في هذا الوعد إقامة «وطن قومي لليهود» على أرض فلسطين، بقي الفلسطينيون حتى الآن ضحية مشاريع مختلفة، تبدأ بالإيمان في حقهم بدولة، وحتى إنكار وجودهم من الأساس.

مشاريع الدولة الفلسطينية

 

1- الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة

 

بعد صدور بعد بلفور وتزايد المهاجرين اليهود في فلسطين، بدأ الفلسطينيون في الثلاثينيات من القرن الماضي، بالمطالبة بتشكيل حكومة وطنية مع بقاء الأقلية اليهودية داخل الدولة الفلسطينية ، وظهر هذا المشروع بشكل واضح في عام 1968، وهو من أهم مشاريع الدولة الفلسطينية وتبنته في البداية حركة فتح، ثم انضمت إليها في ذلك الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ثم الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.

ويقوم مشروع الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة على أساس دولة واحدة لكل مواطنيها، يتمتع فيها كافة المواطنين بالمساواة الكاملة، لا فرق في ذلك بين يهودي مهاجر وفلسطيني. ويرفض الإسرائيليون هذا الحل لأنه لا يعترف بما يسمى «القومية اليهودية».

ووفقًا لمشروع الدولة الديمقراطية الواحدة، فإن الدولة المنشودة تقام على كامل أرض فلسطين تحت الانتداب، وتتسم بأن مجتمعها ديمقراطي تقدمي، وأنها دولة مفتوحة لكل الفلسطينيين والإسرائيليين الذين يتخلون عن صهيونيتهم، وتشكل جزءًا من الحركة الثورية والوحدوية العربية، وأن الطريق الوحيد إلى تحقيقها هو التحرير حتى يتحقق تذويب أو تصفية الدولة الصهيونية، وليس نتيجة تسوية مع إسرائيل العرقية.

2- الدولة ثنائية القومية

 

من بين مشاريع الدولة الفلسطينية الأخرى التي تم طرحها خلال مسيرة الصراع، مشروع الدولة ثنائية القومية، ويتلخص هذا المشروع في إقامة دولة فيدرالية ذات شخصية دولية واحدة وسيادة واحدة، لكن يُعترف فيها قانونيًا بالحكم الذاتي للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، وتقوم الدولة على أساس وجود قوميتين، لهما حقوق متساوية، وتُدير كل قومية شؤونها بنفسها، وبمقتضى هذا المشروع يوجد تصوران للسلطة، الأول مركزي والثاني محلي.

برز هذا التصور أساسًا بين بعد العناصر اليهودية مثل زئيف جاوتنسكي في عام 1922، وكانت تدافع عنها مجموعة «هاشومير هاتساعير»، أيضًا تبنت المجموعة الرافضة لقرار التقسيم في الجمعية العامة للأمم ا لمتحدة هذا الطرح.

وورد هذا المشروع أيضًا ضمن رؤى عربية ودولية لـ مشاريع الدولة الفلسطينية مثل:

اقتراح الأمير عبد الله حاكم الأردن عام 1938 بإنشاء المملكة العربية المتحدة والتي تتكون من فلسطين وشرق الأردن، ويكون لليهود فيها حق إدارة المناطق اليهودية، التي يتم تحديدها بواسطة لجان مشتركة إنجليزية- عربية- يهودية، على أن يمثل اليهود في البرلمان والحكومة بنسبة تماثل عددهم.

اقتراحات نوري السعيد، رئيس وزراء العراق، عام 1942، والتي وردت ضمن خطة الهلال الخصيب، الداعية إلى إعادة سوريا التاريخية، والتي تشمل سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، على أن يكون لليهود فيها استقلال ذاتي، وتكون القدس مفتوحة لكل الأديان.

من مشاريع الدولة الفلسطينية الأخرى التي تم اقتراحها في هذا السياق مشروع الكونت برنادوت عام 1948، الذي اقترح قيام اتحاد فيدرالي بين دولتين يهودية وعربية تشمل شرق الأردن، ويتم تخطيط الحدود بناء على مفاوضات بين الطرفين من خلال الوسيط الدولي، وتقوم السلطة الاتحادية بتنسيق المصالح الاقتصادية والخارجية ومسائل الدفاع، أما المسائل الداخلية فتخص كل دولة بمفردها.

 

3- مشروع الاستيعاب (التوطين)

 

عرف تراث الصراع العربي- الإسرائيلي ، اتجاه بدأ مع بدايات الحركة الصهيونية، وينكر هذا الاتجاه وجود الشعب الفلسطيني من الأساس، مدعومًا بأفكار ثيودر هرتزل، وتحت شعار أن فلسطين «أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض».

وينظر هذا الاتجاه إلى قضية فلسطين على اعتبار أنها قضية لاجئين وقضية إنسانية، وليست قضية شعب تم تشريده من وطنه، وبالتالي فإن حلها هو استيعاب هؤلاء اللاجئين وتوطينهم في الدول العربية التي لجأوا إليها، وكذلك بضم الفلسطينيين للأردن، والمشروع من أهم مشاريع الدولة الفلسطينية المطروحة، أو لنكن أكثر دقة ونقل أنه من أهم مشاريع تصفية القضية، وأهم الأسس التي يستند إليها هذا الاتجاه هي:

أسس مشروع الاستيعاب والتوطين

 

  • لا يوجد شعب اسمه الشعب الفلسطيني، وفلسطين تاريخيًا وجغرافيًا لم تكن وحدة واحدة، وإنما جزء من سوريا الكبرى، وبالتالي لا حديث عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ولا عن أن إسرائيل قامت على أنقاض حق شعب آخر.
  • تدخل الجيوش العربية في فلسطين هو الذي تسبب في مأساة اللاجئين، وبالتالي فإن إسرائيل ليست مسؤولة عن هذه المأساة، لكنها على استعداد لتقديم دعم مالي ونفسي لتوطينهم في الدول العربية، من بواعث إنسانية.
  • أي حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين لابد أن تكون جزء أو مقدمة لتسوية شاملة في المنطقة تتضمن مناقشة اللاجئين اليهود أيضًا.
  • تتجسد النظرة الإسرائيلية عن الاستيعاب في أربعة مفاهيم:
  • التوطين: بمعنى توجيه كمية كبيرة من الموارد الاقتصادية والبشرية لتوطين اللاجئين في الدول العربية التي يعيشون فيها، على أن تساهم إسرائيل والدول الكبرى في هذه العملية.
  • الدمج الاقتصادي لفلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة بالعمل على رفع مستوى معيشتهم من خلال زيادة الإنتاج والسماح بالتجارة مع إسرائيل والعمل على إفراغ المخيمات تدريجيًا من خلال الحوافز الاقتصادية.
  • السيطرة السياسية: من خلال إنشاء كيان سياسي مرتبط بإسرائيل تحت أسماء مختلفة مثل إدارة ذاتية، حكم ذاتي أو استقلال ذاتي، ومحاولة إبراز قيادات فلسطينية متعاونة مع إسرائيل وتزعم تمثيل الفلسطينيين.
  • الخيار الأردني: وجوهره رفض التعامل مع الفلسطينيين واعتبار الأردن الجهة التي يمكن التفاوض معها، وأن يكون حل القضية الفلسطينية في إطار دولة الأردن.

 

4- مشروع التقسيم

 

ويقوم هذا المشروع الذي يعد من أوائل مشاريع الدولة الفلسطينية على أساس إقامة دولتين بجوار بعضهما البعض، فلسطينية وإسرائيلية، ويقوم هذا الحل على اعتبار أن هناك شعبين متنازعين في فلسطين، وكل منهما يرى لنفسه حقوقًا تاريخية وقانونية وسياسية فيها، وليس من الممكن أن يتعايشا سويًا، ما يلزم بتقسيم هذه البقعة الجغرافية إلى دولتين، إحداهما عربية والأخرى يهودية.

وطُرح هذا المشروع منذ بدايات المشكلة الفلسطينية، وتبنته لجنة بيل، التي أرسلتها الحكومة البريطانية إلى فلسطين بعد الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، وخلصت اللجنة إلى ضرورة تقسيم فلسطين، لعدم إمكانية قيام دولة ثنائية القومية فيها، لأن العلاقات بين العرب واليهود لا تسمح بذلك.

وفي عام 1947، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يقضي بتقسيم فلسطين، إلى دولة عربية وأخرى يهودية على حدود 56.5% من أرض فلسطين، وقد حاولت الدول العربية إعاقة القرار بإثارة عدة إشكاليات قانونية، من بينها أنه ليس من حق الجمعية العامة إصدار قرارات، وأن القرار يخالف مبدأ حق تقرير المصير، وهو أحد المبادئ التي تقوم عليها المنظمة الدولية.

وتبنى الطرح بعد ذلك عدد من الشخصيات الفلسطينية البارزة مثل حمدي ناجي الفاروقي، وكذلك أيضًا أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية، يوري أفنيري، وفي السبعينيات، بعد حرب أكتوبر، دعا الرئيس السادات لإقامة دولة فلسطينية، على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة.

 

5- حل الدولتين

 

وظهر مصطلح حل الدولتين كأحد مشاريع الدولة الفلسطينية وكمفهوم خلال فترة رئاسة جورج بوش الابن، وتأسس على مشروعات السلام المطروحة منذ عام 1977، ويقوم هذا الطرح على أن الجميع قبل بوجود إسرائيل، وأن هناك ضرورة لقيام دولة فلسطينية، تحقق السيادة للشعب الفلسطيني، وتحقق له الأمن، على حدود الرابع من يونيو 1967، على أن يتم التفاوض على هذه الحدود، وما هو ما سيؤدي إلى قيام دولة على نسبة 22% من فلسطيني التاريخية، أو أقل من ذلك، ومن الممكن أن تبدأ  الدولة الفلسطينية بحدود مؤقتة، لحين الانتهاء من قضايا الحل النهائي.

ويقوم هذا المشروع على أساس اعتراف كافة المنظمات الفلسطينية بـ«يهودية الدولة» الإسرائيلية، وعلى أساس أن تتوفر لإسرائيل حدود آمنة، وأن تتم من خلال المفاوضات المباشرة، وليس من خلال الأمم المتحدة، وأن يكون الإعلان عنها إعلانًا عن نهاية الصراع العربي- الإسرائيلي، وليس الإسرائيلي- الفلسطيني فقط.

وينبع هذا المشروع من نظرية الأمن الإسرائيلي ، ويجعل الدولة الفلسطينية منقوصة السيادة، وتابعة لإسرائيل من حيث الواقع الأمني والاقتصادي، وأيضًا ستكون الدولة مُقطعة الأوصال بسبب المستوطنات الإسرائيلية، إضافة إلى أن هذا الحل يُضعف بشكل كبير حق اللاجئين في العودة إلى أراضيهم، إضافة إلى ذلك فإن إسرائيل تتمسك بالقدس عاصمة موحدة.

الوسوم

أحمد بلال

صحفي مصري متخصص في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، ورئيس تحرير موقع "إسرائيل الآن". عمل في عدة صحف مصرية وعربية، ويعمل حاليًا في صحيفة "المصري اليوم".

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق