رأي

برهوم جرايسي يكتب عن الانتخابات الإسرائيلية: تنافس على العنصرية

برهوم جرايسي

بات واضحا، وبشكل ليس مفاجئا اطلاقا، أن الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، التي ستجري في التاسع من أبريل (نيسان) المقبل، ستفرز برلمانا أشد تطرفا، من الولاية المنتهية، التي سجلت هي أيضا ذروة غير مسبوقة بالتشريعات العنصرية، والداعمة للاحتلال والاستيطان.

فاستطلاعات الرأي تشير إلى استمرار الأغلبية التي يحظى بها ائتلاف بنيامين نتنياهو. ولكن ما هو لا أقل أهمية، أن التحالف الكبير الذي ينافس نتنياهو وحزبه الليكود، يعرض مواقف يمين استيطاني متشددة، في كل ما يتعلق بالاحتلال والاستيطان؛ وهذا أيضا ليس مفاجئا، حينما نعرف أن تحالف ما يسمى “أزرق ابيض”، الذي يضم ثلاثة أحزاب، يتقدمه ثلاثة رؤساء أركان حرب سابقين، وهم بيني غانتس، وغابي اشكنازي، وموشيه يعلون، يتنافسون في ما بينهم حول من ارتكب جرائم حرب اكبر، ورابعهم النائب العنصري يائير لبيد، رئيس حزب “يوجد مستقبل”.

فكل استطلاعات الرأي تشير إلى أن تحالف بنيامين نتنياهو وحزبه الليكود، سيتخطى حاجز الأغلبية، بمعنى أكثر من 61 نائبا، من أصل 120 نائبا في الكنيست. في حين أن الجانب الآخر، الذي يشمل كل من هو خارج هذا الائتلاف، فإنه ليس متجانسا اطلاقا، بل فيه تناقضات جوهرية؛ إذ في هذا الجانب، القائمتان اللتان تمثلان فلسطينيي 48، وكتلة “ميرتس” الصهيونية ذات التوجهات اليسارية، وحزب “العمل” المتهاوي، ثم تحالف “أزرق ابيض”؛ بمعنى أنه حتى ولو خسر ائتلاف نتنياهو الأغلبية، وهذا أمر وارد، فإن تحالف “أزرق ابيض” لا يستطيع تشكيل الحكومة، إلا بأن يضم كتلا من اليمين الاستيطاني إلى حكومته.

فاحتمال أن يفقد ائتلاف نتنياهو والليكود، الأغلبية يبقى واردا، إذا ما سقطت قوائم انتخابية ولم تعبر نسبة الحسم العالية مقارنة بتفاصيل الخارطة السياسية الإسرائيلية، 3,25%، وهي نسبة توازي 4 مقاعد. وهذا سيناريو بات يقلق قادة المستوطنين وأحزابهم؛ وبناء عليه، قد نشهد انسحاب قوائم يمينية ضعيفة، من المنافسة. ولكن هناك قوائم لها حضور ولن تنسحب، كونها تصارع نسبة الحسم، وهذا ما سيضر أكثر بتحالف نتنياهو في ما لو سقطت.

ونعود لمن يطرح نفسه “بديلا” لنتنياهو وحزب الليكود، تحالف “أزرق أبيض”، الذي يضم حزب “مناعة لإسرائيل”، التي أقامه في نهاية 2018، رئيس أركان جيش الاحتلال الأسبق بيني غانتس، والذي لم يخض السياسية من قبل. وعلى الفور، ضم إليه حليفا، حزب “تيليم”، الذي أقامه رئيس أركان جيش الاحتلال الأسبق، ووزير الحرب الأسبق موشيه يعلون. وقبيل ساعات من بدء تقديم الترشيحات، انضم لهذا التحالف حزب “يوجد مستقبل” بزعامة مؤسسه يائير لبيد، الذي يتمثل في الكنيست منذ العام 2013.

واستطلاعات الرأي تمنح هذا التحالف، حتى الآن، عددا أكثر من المقاعد، من تلك التي يحصل عليها حزب الليكود وحده. ولكن هذا التحالف عرض برنامجا سياسيا، مطابقا لبرامج اليمين الاستيطاني، وما طرحه بنيامين نتنياهو في ما يسمى “خطاب بار إيلان”، يونيو (حزيران) 2009، والذي يقضي بعد الانسحاب الكلي من الضفة، وإنما استمرار التمسك بكتل الاستيطان الكبيرة، والقدس المحتلة، ومستوطنات غور الأردن، بمعنى إبقاء 60% من الضفة في “أحسن الأحوال بيد الفلسطينيين، ومحاصرة الكيان الفلسطيني من الجهات الأربع. واستمرار الوضع القائم بالنسبة لقطاع غزة. كذلك فإن التحالف أعلن أيضا تمسكه بمرتفعات الجولان السوري المحتلة، وعدم الانسحاب منها.

نضيف إلى هذا، الأداء السياسي لحزب “يوجد مستقبل” في الولاية البرلمانية المنتهية، والولاية التي سبقتها، فهذا حزب تماشى مع السياسات اليمينية العنصرية والاستبدادية، وقد ساهم في عشرات مبادرات القوانين العنصرية والاستبدادية، في الولاية المنتهية. والحال ذاته بشكل أشد، بالنسبة لموشيه يعلون، الذي يتمسك بما يسمى “أرض إسرائيل الكاملة”، ويرفض حتى المفاوضات مع الجانب الفلسطيني. وبالتأكيد أن في القائمة أسماء أخرى لا نعرف تفاصيلها بعد، ولكن حتما ستكون من مستنقع اليمين الاستيطاني.

وهذا الحال، يعكس أجواء التطرف المتنامي في الشارع الإسرائيلي، الذي بات أسيرا كليا لماكنة التحريض على العرب، بعد أن بات مشبعا بدعاية الترهيب من الغير، وهو نهج الدعاية الصهيونية. وهذا أحد مبررات أن الشارع الإسرائيلي لا يلتفت لقضايا الفساد التي تلاحق نتنياهو، وغالبيته على قناعة بأن هذه “ملاحقة سياسية” من جهاز حكم، ساهم نتنياهو في تعييناته الكبرى، منذ أن عاد إلى كرسي رئاسة الحكومة قبل 10 سنوات.

ورغم أن الانتخابات ستجري بعد شهر من الآن، واحتمال حدوث تقلبات في موازين القوى يبقى واردا، إلا أنه لا مكان لتوقعات بتغيير جوهري للسياسات القائمة، المدعومة كليا من الإدارة الأميركية بزعامة ترامب، وهذا ما يشجع حُكم الصهاينة على التوغل أكثر في سياساتهم الحربية الدموية والعنصرية.

الوسوم

برهوم جرايسي

صحفي وكاتب سياسي فلسطيني مقيم في الناصرة، كتب في العديد من الصحف الفلسطينية والعربية، وحاليًا يكتب في جريدة "الغد" الأردنية، و"الأيام" الفلسطينية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق