رأي

اللواء توفيق الطيراوي يكتب: وهم السلام مع الكيان الصهيوني

اللواء توفيق الطيراوي

مر زمن طويل على تبني بعض قادة اليهود لفكرة المشروع الصهيوني بإقامة دولة يهودية في فلسطين وكان هذا المشروع في بداياته يبدو وكأنه مشروع خيالي ومستحيل، وأن أولئك الأشخاص هم عبارة عن مغامرين أو مجانين، ولكن بعد حوالي خمسون عاماً تحققت احلامهم المستحيلة وأصبح خيالهم حقيقة وواقع، واغتصبوا أرض فلسطين وأراضي بعض الدول العربية، وشردوا الشعب الفلسطيني في كل بقاع الأرض.

واصبح قادة المشروع الصهيوني هم الفعل، ونحن ردات الفعل وخرج اليهود من الخوف والتشرد إلى القوة والتجمع والاستيطان واستخدموا بذلك كل الوسائل والأساليب الشيطانية من أجل الوصول إلى اهدافهم المرسومة، ففي احدى جلسات مجلس الوزراء الإسرائيلي واثناء البحث في الوضع اللبناني والتدخل الإسرائيلي قال بيغن لوزرائه “لن ننتمي إلى نادي اليهود المرتعدين من الخوف وعلينا أن لا نفعل”.

وفي تصوير نفسه وشرحه للصهيونية وإنسانيتها بأنها أنشئت أصلاً للدفاع عن الشعوب التي تتعرض للاضطهاد حسب ادعائه، ونسوا أنفسهم أنهم من قام بجريمة تشريد الشعب الفلسطيني وقتل الكثير من الضحايا المدنيين والأطفال والنساء خلال اعتداءاتهم على الدول العربية، حيث يقول بيغن: “أن الصهيونية مقولة إنسانية وبحسب تقاليدنا من يقف على الحياد يكون كأنه مشترك بنفسه في العمل المخزي، ونحن كيهود لا نستطيع الوقوف على الحياد عندما يهدد الخطر شعب آخر”.

قد يهمك: الصهيونية السياسية في فكر بنسكر وهرتزل: بين “التحرر الذاتي” و”دولة اليهود”

إن هذه الادعاءات هي افتراء وأكاذيب صهيونية لتظهر وكأنها تنتصر للشعوب المظلومة والمقهورة، علماً بأن الهدف الأساسي منها دق الاسافين وخلق الخلافات والعداءات بين الدول العربية وحتى داخل الدولة الواحدة وبين النسيج الاجتماعي والمذهبي لكل مجتمع من مجتمعاتنا العربية.

وعلى إثر نكبة فلسطين حصلت تغيرات كثيرة في معظم الدول العربية سواء كان التغيير دستوري او طبيعي او التغيير القسري بحصول انقلابات في بعض الدول، أو ثورات في دول عربية أخرى، وكانت قضية فلسطين والعمل على دعم شعبها وتحرير أرضها هو العنوان الأول في البيان الأول لأي نظام عربي أو ملك أو رئيس جديد يتولى مهامه.

ولكنني أستطيع أن أوكد أنه لم يخطر ببال أحد من هؤلاء الحكام والزعماء ان يتعب نفسه، وينور فكره وعقله ليرى بعينه قراءة ولو كتاب واحد لمعرفة ما يقول أو يفكر أو يخطط له قادة اليهود وإسرائيل، كما قال موشي ديان: “إن العرب لا يقرأون”.

قد يهمك: مشاريع الدولة الفلسطينية : من الدولة الديمقراطية الواحدة إلى حل الدولتين

حيث تركزت كل خططتهم وتفكيرهم لجعل إسرائيل القوة الأولى في الشرق الأوسط، وعلى كل المستويات العسكرية والاقتصادية والإعلامية، وأصبحت تضاهي اكثر الدول العالم تقدماً في بعض المجالات وخاصة المجال التكنولوجي، بحيث تفوقت على كل الدول العربية، وأصبحت تتباهى وتتبجح بقوتها وسطوتها، واصبح الغرور يعتري حديث قادتها السياسيين والعسكريين، وتفوق جيشهم على كل الجيوش العربية، ونسوا حرب تشرين وكيف ان الجيش الذي لا يقهر قد انهار في الساعات الأولى للحرب امام عظمة الجيش المصري والسوري.

وأيضاً تتباهى بالديموقراطية الزائفة التي تمارس داخل إسرائيل، ومقارنة قادة إسرائيل بالدكتاتوريات في العالم العربي، واصبح هؤلاء هم الفعل لانهم يستخدموا الفكر والعقل، واصبحنا نحن ردات الفعل لأننا في اكثر الأوقات نلجأ الى العواطف والانفعالات.

ولمعرفة الاساليب والخطط التي اتبعها القادة الصهاينة في إقامة دولتهم وما يفكروا به اتجاه كل الدول العربية ونسيجها الاجتماعي والمذهبي والأقليات، حيث كانت احدى اهداف إسرائيل الاستراتيجية هي بث الفرقة والفساد بين الدول العربية وخلق الخلافات والحروب وإقامة علاقات مع الأقليات وبعض الطوائف في الدول العربية، والعمل معها ومدها بالإمكانيات وجعلها قوة في تلك الدول مما يخدم الأهداف الإسرائيلية.

وكان ضعف العرب في عدم وحدتهم وخوفهم من بعضهم البعض ومن فكرة وجود دول عربية قوية معتقدين ان هذه القوة ستستخدم ضدهم، خاصة إذا كانت دولة مجاورة، نتيجة بعض التجارب، كما جرى في غزو العراق للكويت.

كذلك عدم استثمار أموال الدول العربية النفطية في التقدم العلمي والتكنولوجي والتركيز على بناء الحجر وغض الطرف عن بناء البشر.

يقول اسحق رابين في مذكراته: “ان التوصل الى اتفاق مع مصر رغم إرادة سوريا يعني دق اسفين بين الدولتين العربيتين وتفتيت وحدتهما وتصديهما المشترك ضد إسرائيل، وهذا بالنسبة الى إسرائيل هدف يستحق ان يبذل من اجله كل جهد ممكن”.

قد يهمك: إسرائيل و مصر : أهم محطات العلاقات المصرية – الإسرائيلية حتى عهد السيسي

ولم يكن هذا الإسفين الأول الذي يدقه قادة إسرائيل، فقد قالها صراحة في مذكراته تعليقاً على الاتفاق المرحلي بين مصر وسوريا وإسرائيل “لقد كانت احدى نتائج الاتفاق المصري – السوري المؤقت، ان اشتدت حالة التوتر بين العراق وسوريا وحشدت قوات عسكرية عراقية وسورية ورابطت على جانبي الحدود المشتركة، لقد اثار هذا الاتفاق المرحلي المصري الإسرائيلي عدة هزات أرضية في الشرق الأوسط تحقق من خلاله احدى النوايا الرئيسية التي سعت اليها السياسة الإسرائيلية وهي زرع بذور الشقاق في صفوف العالم العربي الذي اصبح يدور في حلقة مفرغة من المشاحنات والخصومات الداخلية وادى ذلك الى إضعاف وحدته ونظرة الكراهية لإسرائيل”.

ان قادة إسرائيل على اختلاف انتماءاتهم الحزبية، ورجال الاعلام والكتاب واهل الرأي بأغلبيتهم لا يؤمنون بالسلام، يقول الكاتب سيمون شيفر في كتابه كرة الثلج “الاستيلاء على الأرض ليس ضماناً للأمن، انه وصفه لاستمرار الحرب”، ويؤكد اسحق رابين ذلك في مذكراته بقوله “ان العرب يطالبون بانسحاب إسرائيلي شامل الى حدود الرابع من حزيران 1967، ونحن لا نستطيع تلبية هذه المطالب فقد كانت تلك الحدود سبب اندلاع الحروب”.

وترى شيماء أبو عميرة في كتابها ألاعيب تل بيب ان شمعون بيرس قد طرح في كتابه الشرق الأوسط الجديد رؤية تقول “ان الانتداب البريطاني غير الحدود من قبل، وبالتالي الحدود من الضروري ان تتغير من خلال فك وتركيب المنطقة فيما يخدم المصالح”.

قد يهمك: الحياة الحزبية في إسرائيل : تعرف على أهم الأحزاب الإسرائيلية واتجاهاتها

ان قادة الأحزاب في إسرائيل وانتماءاتهم الحزبية سواء كانت من اليمين او الوسط او اليسار همهم الأول والأخير قوة إسرائيل ومصالحها وايمانهم ان أي حل يجب ان يكون على حساب الشعب الفلسطيني، ويستحيل ان يعطوا هذا الشعب الحد الأدنى من حقوقه، وفي مقولة لاسحق رابين في مذكراته ((اننا نعارض بشدة إقامة دولة فلسطينية بيننا وبين الأردن)) فهذا الذي يسميه بعض العرب انه رجل السلام وقتل من اجل ذلك يقول ((عملنا أوسلو – اتفاق أوسلو – من اجل ان يحكم الفلسطينيون الفلسطينيين لصالحنا)).

ان من يبحث ويتبحر في كل ما كتب عن الصهيونية وإسرائيل والتصريحات اليومية يرى أن أفكارهم ومعتقداتهم تقوم على كره العرب وازدرائهم، وعن القوة والجبروت، وتكريس الاستيطان والاحتلال، ويتيقن ان السلام من وجهة نظرهم هو الاستسلام، فيقول الكاتب آفي شلايم في كتابه أسد الأردن أن الملك حسين كتب رسالة سلمها الى بوش وهو الرئيس السادس من عام 67 قال فيها: “إنني أتحدث بشيء من الصلاحية الخصوصية لأنني التقيت خلال العقدين الماضيين بالسر في اكثر من مئة وخمسين مناسبة شملت حوالي ألف ساعة من المحادثات التي ضمت تقريباً كل مسؤول إسرائيلي رفيع وكان أحدثها مع رئيس الوزراء شامير بطلب خاص من الولايات المتحدة ولإحباطي وخيبة أملي الأبديين لم تقربنا هذه المحاولات قيد نملة من السلام الذي صممت على تحقيقه”، ويؤكد ذلك نتنياهو بعبارته “ان السلام لا يصنعه الا الأقوياء”.

قد يهمك: الصهيونية في فكر بنيامين نتنياهو : كيف يرى العرب والقدس والأردن؟

فمتى نستجمع قوانا، لنصبح قوة يهابنا اعداؤنا، ان من يعتقد انه سيأتي زمان يكون فيه سلام بيننا وبين الكيان الصهيوني عليه ان يقرأ في كتب الدين، والتاريخ والجغرافيا والسياسة والاعلام والاجتماع ليكتشف ان هذا وهم، وان السلام مع إسرائيل مستحيل.

الوسوم

اللواء توفيق الطيراوي

مدير المخابرات الفلسطينية السابق، والمستشار الأمني السابق للرئيس الفلسطيني محمود عباس، برتبة وزير، ورئيس مجلس أمناء جامعة الاستقلال، وعضو اللجنة المركزية لحركة "فتح".

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق