إسرائيل من الداخلالاقتصاد الإسرائيلي

كيف ساهمت المعونات الغربية في إنقاذ الاقتصاد الإسرائيلي من الانهيار؟

الاقتصاد الإسرائيلي والمعونات الغربية | الموسوعة الإسرائيلية | كتب- أحمد بلال:

يختلف الاقتصاد الإسرائيلي عن أي اقتصاد في العالم، سواء في نشأته، حيث نشأ اقتصادًا متطورًا، لعدة أسباب أهمها الهجرات الصهيونية المتتالية، والتي نقلت إليه اليد الصناعية الماهرة، والعديد من العلماء، إضافة إلى المعونات الخارجية التي جعلت من إسرائيل دولة صناعية بما تحتويه الكلمة من معنى، عبر نقل مصانع بأكملها إلى إسرائيل، كما حدث في «التعويضات الألمانية»، أيضًا المساعدات الأمريكية، التي ساهمت في تغطية تكاليف الحروب الإسرائيلية، والجباية اليهودية، التي كانت بديلًا للمساعدات الأمريكية في كثير من الأحيان وساهمت في تغطية تكاليف الحروب والاستيطان، وأيضًا في تحرير إسرائيل من أي ضغوط قد تمارسها القوى الدولية عليها.

والمتابع للاقتصاد الإسرائيلي يستطيع أنه يرى بوضوح كيف ساهمت المعونات في حل المشاكل الاقتصادية لإسرائيل، وكيف حمت إسرائيل طوال عقود من جميع الهزات. والأكثر من هذا أن هذه المعونات غطت تكاليف الحروب الإسرائيلية الكثيرة والغارات التي لا تنتهي. وبالتالي قُدِّر للعقيدة الصهيونية أن تستمر، لأن الإسرائيليين لا يدفعون بتاتاً ثمن العدوانية أو التوسعية الصهيونية. كما مولت هذه المعونات عملية الاستيطان باهظة التكاليف، وحققت للإسرائيليين مستوىً معيشياً مرتفعاً كان له أكبر الأثر في تشجيع الهجرة من الخارج وبخاصة من الاتحاد السوفيتي.

الاقتصاد الإسرائيلي والمعونات الغربية

 

ويرى الدكتور عبد الوهاب المسيري، بناء على تقديرات مختلفة، أن مجموع المساعدات الأمريكية لإسرائيل إضافة إلى «التعويضات» الألمانية والجباية اليهودية منذ عام 1949 وحتى عام 1996 بلغ ما يزيد عن 179.4 مليار دولار، موزعة بين 79.6 مليار دولار مساعدات حكومية أمريكية متنوعة، 60 مليار دولار «تعويضات» ألمانية، 19.4 مليار دولار جباية يهودية، 23.4 مليار دولار أصول أجنبية في إسرائيل.

ويضيف الدكتور المسيري في موسوعة «اليهود واليهودية والصهيونية: «وحتى إذا استبعدنا الأصول الأجنبية الموجودة في إسرائيل على اعتبار أنها قد توطنت فيها لاعتبارات اقتصادية (وهو أمر غير صحيح لأنها كانت دائماً دولة في حالة حرب أو توتر ولا تغري أي مستثمر بتوطين الاستثمارات فيها) فإن المساعدات الخارجية المعروفة التي تلقتها إسرائيل منذ إنشائها عام 1948 وحتى عام 1996 قد بلغت نحو 156 مليار دولار بالأسعار الجارية على مدى سنوات تلقي إسرائيل لها، وهي توازي ما يزيد عن 450 مليار دولار من دولارات الوقت الراهن(1996)».

التعويضات الألمانية والاقتصاد الإسرائيلي

 

وقد أثرت «التعويضات» الألمانية على الاقتصاد الإسرائيلي بشكل كبير، ليس فقط من ناحية حجم المبالغ التي تدفقت من برلين إلى تل أبيب، وإنما في أوجه إتفاقها، فقد أسهمت «التعويضات» بدرجة كبيرة في تغيير بنية الاقتصاد الإسرائيلي، فحولته من اقتصاد يعتمد على الزراعة بشكل أساسي، من خلال الاستيطان الزراعي، إلى اقتصاد صناعي، حيث أن ما تدفق من موارد بعد ذلك مكن الصناعة الإسرائيلية من تحديث وتطوير نفسها، والدخول من الباب الواسع إلى طور الثورة الصناعية الثانية.

وتشير المصادر الألمانية نفسها إلى أن «ألفي مشروع صناعي من الحجم المتوسط حصلت على الآلات من الشحنات التي وردت بموجب الاتفاق. وليس من المبالغة القول في وصف الشحنات التي وردت بأنها كانت تشكل عنصرًا أساسيًا واضحًا لذلك الاتفاق في جميع أنحاء إسرائيل، وبصفة خاصة في المناطق ذات الأهمية الصناعية، مما يوضح المساهمة التي كان أثرها بناء وفعالًا بأكثر من مجرد قيمة الأرقام في ذلك الوقت بالذات»، وهي فعلًا كذلك، لأن البرنامج التصنيعي الشامل الذي نُفذ، أعطى إسرائيل طابع الدولة الصناعية بما للكلمة من معنى.

الاقتصاد الإسرائيلي والمعونات الأمريكية

 

كما تلعب المعونات التي تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل دور كبير في الاقتصاد الإسرائيلي، حيث تتسلمها إسرائيل معونات نقدية، وتستطيع بموجبها أن تشتري ما تريد من أي سوق في العالم، حتى من مصانع السلاح الإسرائيلية نفسها، وبحسب بعض قوانين الكونجرس، فإن هذه المعونات، نظريًا، قد تستخدم سلاح في يد الإدارة الأمريكية لمعاقبة إسرائيل، إلا أن المال السياسي الذي توفره المنظمات الصهيونية كبديل، وأيضًا نفوذ اللوبي الصهيوني في دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة، قد يدفع هذه الإدارات إلى التحايل على القانون الأمريكي من أجل دعم إسرائيل.

كما تمثل الجباية اليهودية، أحد أهم روافد دعم الاقتصاد الإسرائيلي، التي تعتمد عليها إسرائيل بشكل كبير، خاصة في مشاريع الاستيطان، حيث برهن «رأس المال اليهودي» على أنه احتياطي استراتيجي بالغ الأهمية بالنسبة إلى إسرائيل، سواء لناحية تعويضه نقص تدفق الأموال الأمريكية على إسرائيل أو لناحية قدرته على توفير مليارات الدولارات لإسرائيل حين تكون تحت حاجة ماسة.

وتبلغ الجباية اليهودية ليهود الولايات المتحدة وحدها 2.1 مليار دولار في العام، بحسب آخر الإحصاءات المتوفرة، وهي عن عام 2007،  . وانخفض هذا المبلغ قليلًا في عامي 2008 و2009 بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، لكنه عاد ليرتفع في 2010 و2011 و 2012.

الأزمة الاقتصادية العالمية والاقتصاد الإسرائيلي

 

وهكذا، تبدو للمعونات المالية التي تصل إلى إسرائيل من مصادر شتى، تأثيرات سلبية أيضًا على اقتصادها، فالأزمة الاقتصادية العالمية، التي ضربت العالم كله، بما فيه إسرائيل، لم تؤثر على إسرائيل كما أثرت على بقية دول العالم فقط، وإنما أدت أيضًا إلى تراجع المساعدات الدولية، وخاصة «الجباية اليهودية».

ومثل تراجع المعونات الخارجية لإسرائيل، أحد أوجه تضرر إسرائيل من الأزمة، إلا أنه في نفس الوقت لم ينقطع، تقول مسؤولة فرع واشنطن للفدرالية اليهودية سوزي غيلمان إن «الوضع الناشئ (الأزمة الاقتصادية) جديد علينا، ما من شك في أن الفدرالية ستواصل دعمها لإسرائيل، ولكن علينا أولًا أن نهتم بأنفسنا لأننا نعرف أن الناس ليس في إمكانهم تقديم نفس حجم التبرعات التي قدموها في السنة الماضية».

تسببت الأزمة الاقتصادية العالمية في خسارة كبار الأثرياء اليهود في الولايات المتحدة، الذين يتبرعون لإسرائيل، ما لا يقل عن 20% من قيمة أموالهم في 2008، مقارنة بعام 2007، كما تضررت الصناديق التي كانت تقدم تمويلات من جراء البورصةـ إضافة إلى فقدان الجهات التي كانت تتبرع لإسرائيل مصالحها التجارية، ومنها ما أعلن إفلاسه، ومنها ما يواجه ضغوطًا ويشعر بحالة قلق من المستقبل على ضوء الأزمة المالية المتفاقمة.

التأثيرات الاجتماعية للمعونات المالية الغربية

 

إلى جانب التأثيرات السلبية التي قد تتسبب فيها «الجباية اليهودية» على الاقتصاد الإسرائيلي، فإن ثمة تأثيرات سلبية أخرى، تسببت فيها أيضًا «التعويضات» الألمانية، التي خلقت بشكل فجائي فوري طبقة من الإسرائيليين الأثرياء (من أصل أوربي) تمكنوا من الانتقال من الأحياء الفقيرة إلى أحياء أكثر ثراء، وغيروا أسلوب حياتهم بشكل كامل. ويقول الدكتور عبد الوهاب المسيري إن: «هذه النقود السهلة (كما يسمونها)، أي النقود التي لم يكدَّ أحد من أجلها، تُعرِّض المجتمع لهزات اجتماعية وتُولِّد فيه التوترات».

كما يرى الدكتور المسيري أن «التضخم المفرط» في إسرائيل ناجم في جزء كبير منه عن التدفق المسيس لرؤوس الأموال الذي بلغ في منتصف الثمانينيات معدلات فلكية (536% عام 1984)، والخفض المستمر في قيمة الشيكل (اضطرت الحكومة في النهاية لإلغائه واستبدال الشيكل الجديد به، حيث أصبح كل شيكل جديد يساوي 100 شيكل إسرائيلي) ساهم في تدهور قدرته الشرائية. وأوشك النظام المالي الإسرائيلي على الانهيار لولا تدخُّل الولايات المتحدة وقيامها بمد إسرائيل بمساعدة طارئة بلغت 1.5 مليار دولار مكنت الحكومة الإسرائيلية من تثبيت سعر الشيكل.

أحمد بلال

صحفي مصري متخصص في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، ورئيس تحرير موقع "إسرائيل الآن". عمل في عدة صحف مصرية وعربية، ويعمل حاليًا في صحيفة "المصري اليوم".

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق